الى وقت قريب كانت عبارة ( السياحة الداخلية خيارنا الاستراتيجي ) تصك الاسماع بمناسبة.. وبدونها.. يرددها مسؤولون من مختلف القطاعات الحكومية.. ويتناقلها رجال اعمال في صولات وجولات وانطباعات عابرة.. ومشاعر مؤقتة.. لكن ذلك كله لم يرتق بالسياحة السعودية الى مستوى الالتزام الكامل كخيار استراتيجي بالصورة التي يستدعيها هذا القطاع الحيوي وأهميته الثقافية والاجتماعية والاقتصادية وظلت اسيرة الاجتهادات المتواضعة.. والمحاولات الخجولة.. والنظرة الضيقة.. ويعود ذلك الى معوقات ومشاكل مختلفة.. والافتقار الى سياسة عامة واعادة تأهيل القطاع بأكمله ناهيك عن دعم وتطوير البنية التحتية.. والحاجة الى حلول رئيسة تقوم على عمل مؤسسي.. وخطط طموحه للتنمية السياحية.. وأطر تنظيمية ورقابية محكمة اذ لا يكفي توافر بعض عناصر الجذب السياحي.. والمنتجات السياحية لتأسيس صناعة سياحية تتسق.. وتتفق مع قدرات المملكة وامكاناتها الاقتصادية.. والسياحية.. والبيئية.. وما تنطلق منه او تتجه اليه من اهداف ومصالح لتحويل الحلم الى حقيقة تنبض بالحياة !!
* الصورة اليوم بعيدة عن سابقتها بُعد المشرقين فبعد انشاء الهيئة العليا للسياحة بقرار مجلس الوزراء رقم ( 9 ) في 12/1/1421هـ الموافق 17/4/2000م.. واسناد امانتها العامة الى سمو الامير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز بالمرسوم الملكي الصادر في 5/2/1421هـ الموافق 9/5/2000م.. وفي ضوء الانجازات التي حفل بها تقرير الفترة التأسيسية الذي سعدت بتلقي نسخة منه مصحوبة برسالة رقيقة من الزميل الأستاذ عبد الله بن محمد آل الشيخ ، المستشار الخاص للأمين العام للهيئة - سأعود اليها لاحقاً - يتضح حجم الانجاز التأسيسي واستجابته للواقع وتلازمه مع احتياجات المستقبل خاصة في ضوء منهج العمل الذي تبنته الهيئة العليا للسياحة ومن بين مميزاته التحالف والشراكة.. واندماج المصالح والاستراتيجيات مع (مختلف الاطراف ذات الصلة بتنمية السياحة ) التي سوف تلعب ادواراً هامة.. وتضطلع بمهام كبيرة من اجل ايجاد مناخ عام لصناعة سياحية سعودية ناجحة ومزدهرة.
* الهيئة التي اسندت اليها مهام ( انشاء قطاع سياحي منظم ومتكامل الاهداف في اقتصاد المملكة ككيان مستقل لتنمية السياحة السعودية ) وضعت لنفسها ثلاث مهام رئيسة للفترة التأسيسية تتمثل في بناء جهاز الامانة العامة.. واعداد مشروع متكامل لتنمية وتطوير السياحة الوطنية من خلال سياسة عامة.. ويشتمل هذا المشروع على مرحلتين : ( الاولى تتناول السياسة العامة من خلال استراتيجية طويلة المدى للتنمية السياحية مداها عشرون عاماً ( 1422-1441هـ ).. الثانية : ( تشمل خطة العمل الخاصة بتنفيذ السياسة العامة ومدتها خمس سنوات 1424 - 1428 هـ ( 2003-2007 م ) وتهدف الى توفير اطار التنفيذ توصيات المرحلة الاولى من مشروع تنمية السياحة الوطنية عن طريق اعداد خطة تنفيذية خمسية لتنمية السياحة على المستوى الوطني والمناطق ، والتي اطلق عليها اصطلاح ( العناية المركزة ) ) .
* واذكر ان الامير سلطان بن سلمان اشار عند افتتاح حلقة ( مكاتب الارشاد السياحي ) بالرياض في شهر ذي القعدة الماضي الى ( ان السنوات الخمس القادمة هي اهم مراحل مشروع تنمية السياحة الوطنية وهي ما اصطلح على تسميتها مرحلة ( العناية المركزة ) ويقصد بها سموه المرحلة الثانية من المشروع.. وفي رأيي المتواضع فان الهيئة العليا للسياحة قد هزت القطاع السياحي باتجاه التقويم.. والتخطيط.. والتفعيل.. والتطوير.. والتأطيرهزة تجاوزت عشر درجات بمقياس ( ريختر ) !!
* هذه حقيقة لم تأت من فراغ.. ولا تحمل طابع المجاملة بل نتيجة لحجم الانجاز كماً ونوعاً في فترة قياسية استعداداً للتحليق في فضاءات اكثر رحابة وسعة على اسس علمية وعملية مدروسة.. بعيدة الاهداف وطويلة المدى.. ويأتي تبني الهيئة العليا للسياحة مبدأ الشراكة والتحالف من خلال برامج تختص بـ ( التنمية المستديمة ، والسياسات الاقليمية والمحلية وتطبيق القوانين والتشريعات ، وتطوير وتحسين النظم ، وانشاء البنى التحتية والتمويل والاستثمار ، ودعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة الحجم ، وتنسيق جهود التسويق والاعلام وتطوير المنتجات السياحية والتعليم والتدريب والصحة والبيئة والامن والسلامة والثقافة والتراث).. يأتي تبني الهيئة لكل هذه البرامج ووضعها موضع التنفيذ تأكيداً لسلامة التوجه وواقعيته ونظرته البعيدة.
* ومن ملامح ذلك التركيز والاهتمام الواضحان على الشراكة مع المجتمع المدني انطلاقاً من قناعة بان ( لا نمو للسياحة الا بمشاركة واعية وفاعلة من المجتمع لأن مشاريع الشراكة تهدف الى نشر الفهم الواعي في اوساط الفئات المختلفة لأهمية التخطيط السليم لقطاع السياحة على المستويات الوطنية والمحلية والاسهام فيه بشكل فعال.. ويتمثل دور المجتمع من خلال الاهتمام بالسائح والتفاعل معه بصورة ايجابية والعناية بالصناعات الصغيرة وتطويرها وتنمية الموارد البشرية العاملة في المجال السياحي وتأهيلها... ) وهو توجه يعد بحق احد أهم المقومات التي ترتكز عليها السياسة السياحية الناجحة .
* ومن اجل استشراف مستقبل السياحة السعودية.. وجدوى تحويلها الى صناعة بالمعنى الدقيق والعميق لهذه الكلمة لابد من رحلة خاطفة عبر الارقام لتلمس جوانب من الواقع الذي تنطلق منه النظرة الواعية للهيئة العليا للسياحة.. وقناعتها بان ( السياحة ليست ظاهرة اقتصادية واجتماعية جديدة في المملكة) كما جاء في التقرير لأن عدد الرحلات السياحية المحلية بلغ في عام 1421 هـ (2000 م ) 14.5 مليون رحلة غطت ما نسبته 44% لقضاء العطلات ، 27.5% لأداء مناسك العمرة ، 19% لزيارة الاصدقاء والاقارب.. وقُدر مجموع الانفاق بـ 22.4 بليون ريال ، وبلغ عدد الزوار الذين وفدوا الى المملكة في العام نفسه 6.3 مليون شخص ادى 22% منهم فريضة الحج , 3،6% مناسك العمرة .
* وتحتل صناعة السياحة - وفقاً للتقرير - ( مركزاً متقدماً يقارب موقع الصناعة التحويلية في الهيكل القطاعي لاقتصاد المملكة إذ بلغ اجمالي انفاق السياح على الانشطة السياحية ما مجموعه 35 بليون ريال في عام 1421 هـ ( 2000م ) ويشكل ذلك نحو 5.4 % من اجمالي الناتج المحلي مع الاسهام في توفير 638 الف وظيفة ).. اما القدرة الاستيعابية للتدفقات السياحية فقد اشار التقرير الى توفر اكثر من 95 الف غرفة فندقية منها 73.3% في منطقة مكة المكرمة تحتويها 58 مؤسسة فندقية.. واكثر من 20 الف شقة و 40 الف غرفة في 828 مؤسسة للشقق المفروشة بالاضافة الى 1100 وكيل سفر ومنظم رحلات فضلاً عن توافر التجهيزات و ( البنى التحتية الاساسية الملائمة للتنمية السياحية ).. وقد قدرت اسهامات قطاع الصناعة التحويلية في المملكة بمبلغ 37 بليون ريال بنسبة 5.7 % من الناتج المحلي الاجمالي.. الأمر الذي يعكس اهمية قطاع السياحة للاقتصاد الوطني .
* وللتعرف على أهمية هذه الارقام التي تعود الى عامين ونيف تجدر الاشارة الى ان عدد السائحين لجمهورية تونس - التي بدأت عمليات تطويرها سياحياً عام 1960م - بلغ 5.1 مليون سائح عام 2002م ويتضمن مواطنيها المقيمين في الخارج الذين يقضون اجازتهم السنوية فيها.. اما جمهورية مصر العربية وهي الدولة السياحية الكبرى في منطقة الشرق الاوسط فقد بلغ عدد السائحين عام 2000 م الذي يعتبره وزير السياحة المصري د. ممدوح البلتاجي عام الذروة 5.5 مليون سائح.. وبلغ عددهم عام 2002م 5.2 مليون سائح ( الاهرام 6/9/2003م ).. وعند المقارنة بعدد الزائرين للمملكة عام 2000 م البالغ 6.3 مليون شخص - وان كان يشمل حجاجاً ومعتمرين - فان الاتجاه نحو تحقيق صناعة سياحية سعودية متطورة اتجاهاً مشجعاً بالنسبة للجدوى الاقتصادية.. ويجعل امكانية رفع عدد زوار المملكة ( وفقاً لمسار نمو السياحة المتوقع الذي تبنته السياسة العامة للهيئة ) بحلول عام 1441 هـ ( 2020م ) الى 45.3 مليون سائح يشكل عدد السائحين الدوليين منهم 10.9 مليون امراً ممكناً بمشيئة الله.. وللحديث بقية.