يتقاسم الرجل والمرأة أدوار الحياة فيما بينهما، فبعض الأحيان بالتساوي وأحيانا أخرى كل حسب دوره، وفي أحيان كثيرة تنقلب الأمور رأساً على عقب لأسباب قد تكون مقبولة وقد تكون غير مبررة.
ففي بعض الأحيان تتخذ المرأة دور الرجل بسبب غيابه المتكرر عن البيت أو عدم تحمله للمسئولية، وأحيانا أخرى تكون المرأة غير مبالية أو مشغولة بالسهر وزيارة الصديقات والذهاب للأسواق فيكون الرجل بالإضافة لعمله وكده على عياله مربياً وحافظاً للأولاد ومهتماً بشئون المنزل.
فهل في هذا الأمر تناقض من نوع ما؟ أو نقص في الوعي بأهمية دور كل شخص في الأسرة وفي الحياة عموماً؟
ويعتقد الكثير من الباحثين أن المرأة عادة هي التي تأخذ دورا أكبر من حجمها خاصة في مجتمعاتنا التي يغيب فيها الرجل عن البيت فترات طويلة إما بسبب انشغالاته في أعماله أو لحبه المفرط لترك البيت وسهره مع أصدقائه لساعات متأخرة كل يوم.
كما تعتقد الكثير من النساء أنهن مظلومات وأنهن يتحملن فوق طاقتهن بسبب إهمال أزواجهن وعدم اهتمام الزوج بما تعانيه زوجته من مهام ومشاكل داخل الأسرة.
ولا يكتفي الكثير من الأزواج بذلك بل إنه يجعل مهام المنزل الأسرية ذات الطابع الخارجي التي عادة ما يقضيها الرجل بيد زوجته.
تقول فاطمة خميس إنها ومنذ أن كونت أسرة قبل أكثر من عشرين عاماً تعودت على أن تقضي جميع حوائج البيت كاملة دون أن تشعر بأي حرج أو أنها تؤدي واجباً أكثر من حجمها، ذلك أنها تعرف أن الزواج مؤسسة متكاملة وما دام الزوج مشغولاً فإن المرأة لا بد أن تحاول سد بعض الثغرات حسب إمكانياتها، مضيفة: إن كل هذه المهام لا تشغل بالي كثيراً وأنا أؤديها بشكل طبيعي، ولكن هناك بعض الأمور لا بد أن يكون الرجل عمادها أو يشارك فيها بشكل كبير، بينما أغلب الرجال إما يتهربون منها أو لا يجدون الوقت الكافي لها وهي تربية الأولاد، فنحن نلاحظ أن الأم هي التي تقوم بهذا الدور كاملاً في أغلب الأحيان في مجتمعاتنا، فإذا كان الأب يعمل أكثر من ثماني ساعات يومياً فهو يأتي إلى البيت قبل المغرب، وهو حال أغلب الرجال في بلادنا، فأين يقضي بقية وقته؟
وتجيب عن هذا التساؤل بتول حسن حيث تقول: إن أغلب الرجال لا يبالون في حجم الوقت الذي يقضونه مع أسرهم، فهم يأتون إلى البيت متعبين وعادة ما يقضون هذا الوقت في النوم، فإذا استيقظوا لم يبق من الليل إلا القليل حيث يكون الأولاد على وشك النوم، وتبقى أيام الإجازات هي الأيام التي يحظى فيها الأولاد بلقائه لوقت كاف، وفي بعض الحالات ينشغل بمهام أخرى سواء من قبل العمل أو أعمال خاصة مع أصدقائه.. أو أي أمور أخرى.
وتضيف بتول: لا يقف الأمر عند هذا الحد، فالرجال (أو لنقل أغلبهم) لا يعملون شيئا في البيت. إننا نقوم بجميع المهم بما فيها الذهاب للمستشفيات ومراجعة طبيب الأسنان التي عادة تحتاج إلى رجل، متسائلة هل قدر المرأة أن تقوم بكل هذا والرجل إما أن يكون نائماً أو في عمله؟.
ويحاول إبراهيم صالح أن يخفف من وطأة نظرة المرأة للرجل بهذه الطريقة قائلاً: في البداية ليس كل الرجال من هذا النمط، فهناك مجموعة كبيرة من الذين أعرفهم لا يتكلون كثيراً على زوجاتهم، بل إنهم يبادرون بقضاء حوائج المنزل أولاً بأول، وكذلك فإنهم يضحون بأوقاتهم وراحتهم من أجل إسعاد أولادهم وأسرهم بشكل عام، فهم لا يهتمون بصحتهم قدر اهتمامهم بزوجاتهم وأطفالهم.
وأضاف إبراهيم: إذا كان بعض الآباء من الجيل القديم أو أغلبهم لا يقدرون زوجاتهم ولا يعطون أولوية للاهتمامات التربوية فإن هناك جيلاً جديداً من الآباء المتعلمين الذين يقومون بواجباتهم على أكمل وجه، وبالنسبة مثلاً لتعليم الأطفال فإن هذا الجيل يولي عناية خاصة بالأطفال من هذه الناحية، فهم يحلون واجباتهم ويساعدونهم في مشاكلهم المدرسية ويتابعون حالاتهم بشكل مستمر.
وتتفق خديجة السبع نوعاً مع هذا الرأي قائلة: إن بعض النساء يبالغن في اتهام الرجل بالتقصير، فهناك الكثير من الرجال المتميزين، و لا يتركون صغيرة ولا كبيرة إلا قاموا بها في سبيل الحفاظ على كيان الأسرة بشكل متماسك وبعيد عن المشاكل، فمن شراء الحاجيات بشكل أسبوعي إلى متابعة المستشفيات من ناحية المواعيد إلى تعليم الأولاد بمساعدة الأم طبعاً، حيث من المستحيل ترك هذا الأمر على الأب.
وتستدرك السبع قائلة: إلا أن بعض الرجال يشعر بنوع من الملل من ناحية المتابعة المدرسية ولكون بعضهم في أعمالهم في الصباح فإنهم يتركون هذه المهمة للمرأة للاتصال بالمدرسة ومتابعة الأبناء.
ويقول حسين آل اسماعيل (مدرس) إن الاتصالات التي تأتي إلى المدرسة للسؤال عن أحوال الطلبة أكثرها من النساء، وإذا كان الرجال مشغولين في أعمال كما يدعون فإن اتصالاً هاتفياً قد لا يستغرق خمس دقائق ليس من الصعب عليه القيام به، مضيفاً إن مهمة متابعة الأبناء في المدارس لا يمكن تركها على الأمهات وفي اعتقادي إن هذا الأمر يؤثر سلبياً على حالة الولد النفسية الذي لا يشعر بالرضا إلا إذا كان والده يتابعه.
ويضيف آل اسماعيل مرت علينا حالات كثيرة من هذا النوع، ونجد في أغلب الأحيان عدم راحة من الطفل إذا كانت الأم هي التي تتابعه ليس احتقاراً لدور الأم أو عدم رضا عنها ولكن ما نلمسه هو أن الولد يشعر أن والده هو قدوته الأولى والأخيرة ولذلك يصيبه الإحباط النفسي نتيجة لذلك.
ومن جهة أخرى فإن الأولاد الذين يتابعهم آباؤهم وهم قلة يشعرون بنوع من الفخر والاعتزاز ويحاولون تصحيح مسارهم إذا كانوا مخطئين ويتحفزون أكثر إذا كانوا مجتهدين، فعلى الآباء أن ينتبهوا لهذه النقطة، خصوصاً وأن هناك مشاكل كثيرة يمر بها أطفال هذا العصر جراء تشابك أمور الحياة بالجوانب الإعلامية ووسائل الاتصال الحديثة التي تجعلهم في منأى عن الحياة الأسرية الحقيقية.
ويقول صادق السالم: إن الكثير من الرجال يهملون حقوق الأسرة وغالبية هؤلاء تنقصهم الثقافة الإسلامية الحقيقية، فمهما ادعوا بأنهم متمسكون بتعاليم الإسلام، وقالوا إنهم يتبعون الشرع، فإن كلامهم ينقصه التمحيص، مضيفاً إن الكثير من القيم الإسلامية ضائعة بسبب اعتقاد الكثير من الناس بأنهم يمارسون الأخلاق الحقيقية بينما هم بعيدون كل البعد عنها، وفي هذا المجال فإن أبسط التعاليم تدلنا على أن على كل فرد سواء كان امرأة أو رجلا أن يؤدي دوره الطبيعي، وإذا قصر رغماً عنه فإن الأمر يبقى طبيعياً أما إذا كان عن تجاهل أو عدم فهم الدور بشكل مناسب، فإن المسألة تحتاج إلى علاج من الجذر.
ويضيف السالم: إننا بحاجة إلى وقفة صادقة مع الذات لكي نشعر بأهمية وعظم الدور الذي نقوم به، وعلى الرجل المقصر أن يتقي الله، وينظر لدوره هل هو مناسب أم أنه لا يؤديه بالشكل المطلوب، مشيراً إلى أهمية الابتعاد عن ممارسة دور الرجل الشرقي الخاطئة التي يطبقها الكثير من الناس عن قصد أو غير قصد، إذ أن بعض النساء يساعدن الرجل في ممارسة هذا الدور دون أن يشعرن بذلك.
إذا قد نصل إلى نتيجة أن الحياة مشاركة، وعلى المرأة والرجل المساهمة فيها، وكما نحتاج للاعتراف بالخطأ نحتاج أيضاً لبعض التنازل عن بعض قناعاتنا القديمة حيال هذا الأمر.
وإذا كان الرجل مقصراً في أداء واجباته المنزلية ويترك المرأة في دوامة الحياة تصارعها وحيدة، فإن هذا الأمر يبقى رهيناً للظروف التي تمر على الرجل. أما أن تسير الحياة بصورة عكسية فتأخذ المرأة دور الرجل كاملاً بينما هو يمارس عنجهية قد تكون زائفة وتجاهلاً قد يكون مدمراً فإن الأمر يظل بحاجة إلى أكثر من وقفة.!