ان اطلالة سريعة على اهداف الهيئة العليا للسياحة التي تضمنها تقريرها عن الفترة التأسيسية تعطي دلالات مؤكدة على الشمولية.. والواقعية.. والعزم الاكيد على تذليل العقبات.. والأخذ بعين الاعتبار المؤثرات الرئيسة على الطلب السياحي التي اعتقد ان من اهمها: عدد السكان.. ونوعية التركيبة السكانية.. ونصيب الفرد من الدخل الوطني.. ومعدل الادخار.. ومستوى المعيشة.. وانواع الخدمة ومستوياتها.. واسعارها ومدى التناسب بينها.. والتسهيلات السياحية التي تقدم عادة للسائح اعتباراً من مكان الوصول.. وتطور وسائل النقل.. ودور الاعلام.. وعوامل الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي في المملكة.
* ومن هنا ادرك ابعاد تريث الهيئة العليا للسياحة في اطلاق برنامج السياحة الخارجية.. والعمل بشكل مركز على تقليص العدد المتنامي للسياحة العكسية الذي يتراوح ما بين 4: 4.5 مليون سائح ـ حسب تقديرات الصحف السعودية ـ ينفقون 40 مليار ريال سعودي !! وذلك من خلال تطوير مفهوم السياحة الداخلية وحشد الامكانات والخدمات وعناصر الجذب المختلفة.. ووضع الحلول المناسبة للعقبات التي تواجه هذا القطاع وتحد من انطلاقته الى آفاق اكثر رحابة وسعة وتكريس دور السياحة الفاعل في الاسهام في (تنويع القاعدة الاقتصادية.. وتعزيز الترابط بين المواطن ووطنه وتراثه وحضارته) ضمن مشروع وطني متكامل وطموح، يقول الامير سلطان بن سلمان في كلمته الى الملتقى السياحي السعودي الأول ـ الذي اقيم اخيراً في محافظة جدة ـ انه: (يتوافق مع خصوصية مجتمعنا وقيمه التي يعتز بها ويستند على اسس من الاستدامة والجدوى والتخطيط السليم والاستثمار الامثل للموارد السياحية وبناء القدرات والطاقات البشرية الوطنية والشراكة الفاعلة والمتكاملة بين قطاعات الاقتصاد الوطني ذات العلاقة بصناعة السياحة).. وهذا الكلام المسؤول يعني بجلاء التحول الى صناعة سياحية وطنية حقيقية بجميع متطلباتها والتوصيف اللازم للمهام والاجهزة التي يناط بها تحقيق هذا الهدف.. وتجدر الاشارة الى ان دراسة أكدت ان حجم انفاق السائح السعودي من اكبر المعدلات العالمية وان نصيب السياحة الداخلية من انفاق السعوديين على السياحة لا يتجاوز 17%.
* لكن السؤال الذي يتراقص في اذهان الكثيرين: ماذا اعدت الهيئة العليا للسياحة ازاء ايجاد آلية للتسعير انطلاقاً من حقيقتين.. الأولى: كون السعر عنصر جذب.. وعنصر طرد في آن.. الثانية: الاستغلال البشع الذي يمارسه اصحاب المنشآت السياحية والترفيهية الذي يتجاوز في كثير من الاحيان حدود المعقول وعلى الرغم من ذلك يجأرون بالشكوى في نهاية كل موسم.. ويعلنون التذمر من تدني اعداد السائحين وقلة الانفاق !!
* ويرتبط بالتسعير المنتج السياحي عموماً بتنوعه.. وتوزيعه الجغرافي الأمر الذي يستدعي الارتقاء بمستوى الجودة وضمانها باخضاعه لمعايير الجودة و النوعية ـ التي ترتبط على نحو مباشر بمستويات الاسعار ـ وعمليات مراقبة وتقويم بين وقت وآخر تحت طائلة الثواب.. والعقاب التي اولتها الهيئة ضمن خطة العمل الثانية (العناية المركزة) اهتماماً مقدراً في البند الثامن تحت عنوان (تنظيم الصناعة وضمان الجودة).. وبعد ذلك تأتي خطوة سد النقص في القطاع السياحي في الكثير من مجالاته.. وخدماته عكس الصورة المبالغ فيها التي تروجها وسائل اعلامية ودعائية محلية في غياب رقابة الهيئة العليا للسياحة وهو الدور الذي ينتظر ادارة الاتصال والاعلام المزمع انشاؤها ضمن هيكل الهيئة المراد تنظيمه.
* واذا تخلل مسعى الهيئة العليا للسياحة تنظيم اجازات موظفي الدولة مع اجازات المدارس والجامعات الذي يخضع لدراسة بين الجهات المختصة بالهيئة واللجنة العليا لسياسة التعليم فان ذلك يشكل قفزة ايجابية هامة على صعيد تفعيل السياحة الداخلية ودفعها الى أهدافها المنشودة.. وما يؤكد أهمية هذه الخطوة قول سمو أمين عام الهيئة: (انه مشروع كبير ووطني يمس جميع القطاعات بما فيها التعليم وهام بالنسبة للهيئة حيث سيعملون بمنهجية علمية للنظر في قضية الاجازات بمنظورها التعليمي والاجتماعي والاقتصادي وذلك وفق شراكة كاملة مع عدد من القطاعات).. (عكاظ 13/3/1424هـ).
* في مطلع فصل الصيف الفارط نشرت الهيئة العليا اعلانات في الصحف تعرف بالسياحة السعودية موجهة للسائحين عموماً في الداخل والخارج تضمنت معلومات مركزة ومعدة اعداداً جيداً عن الفرص الترفيهية المتاحة، والتراث الثقافي، والمهرجانات، والسياحة لاغراض صحية، والتسوق، والشواطئ المميزة والرياضات المائية، والسياحة البيئية، والاجتماعات والمؤتمرات والمعارض الا ان اللافت ان السياحة لاغراض صحية او السياحة العلاجية كما تسمى لم يذكر عنها شيء في التقرير ضمن انشطة الهيئة رغم جدواها الاقتصادية وكونها من عناصر الجذب السياحي لما يتوافر لها في بلادنا من امكانات جيدة اصبحت محط انظار الراغبين في خدمة علاجية متقدمة ومتطورة، وفي رأيي المتواضع فان انشاء ادارة بالتعاون ما بين الهيئة العليا للسياحة والمنشآت الطبية السعودية المتميزة لدراسة واقرار افضل سبل استثمار السياحة العلاجية ـ والاسعار في المقدمة ـ من شأنه ان يضيف رافداً جديداً وفاعلاً عندما تطلق الهيئة برنامج السياحة الخارجية.. وهذه الحقيقة لا يبلغ اليها ريب او شك.. واسألوا الاشقاء في مصر والاردن!!
* وعندما يقول الامير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز الأمين العام للهيئة العليا للسياحة: (نحن نتطلع الى سياحة وفعاليات طوال العام ان شاء الله.. ونتطلع الى كثير من البرامج والفعاليات التي اساسها هيكلة هذه الصناعة الاقتصادية الكبيرة وايجاد سياحة حقيقية وطنية ملتزمة) وفي ضوء المعطيات التي تضمنها تقرير الهيئة العليا للسياحة عن الفترة التأسيسية التي تطرقت الى فقرات منه في المقال الأول.. عندما يقول سموه ذلك فانه يعني ما يقول وقد عرفته ذا ثقة واعية بالنفس بعد الله.. والصدق مع الذات.. والعشق للمعرفة يتمتع بروح التحدي والتوثب من اجل العطاء.. والقدرة على الاختيار.. والانتقاء.. والحرص على ألا يضيع التطلع الى التفوق والاجادة في زحمة الاهتمامات الاخرى.. وقد تابعت عطاءاته.. وانجازاته منذ اول لقاء لي مع سموه في مكتبه بوزارة الاعلام عام 1405هـ/1985م وهو يستعد ليصبح اول رائد فضاء عربي مسلم على متن (ديسكفري) في رحلته في العام نفسه.. وواكبت زياراته لبعض المدن السعودية بعد عودته المظفرة من رحلته الفضائية.
* وتكفي الانجازات التي حققها الأمير سلطان بن سلمان لفئة عزيزة من ابناء الوطن التي كانت املاً.. فصارت عملاً.. واصبحت مثلاً.. وجمعية الاطفال المعاقين وفروعها.. ومركز الامير سلمان لأبحاث الاعاقة تكفي كأمثلة حية.. ومعالم شاهدة على عطاءات.. وتفاني الامير الانسان وترد على من يراهن على فشل الهيئة العليا للسياحة في مهامها وتطلعاتها من ذوي النظرة الضيقة.. وهواة احتكار المصالح.. واخضاعها لمعايير ذاتية انانية!! انها آمال او هي من خيوط العنكبوت.. ونظريات قاصرة.. ومفاهيم خاطئة بلغت مستوى من التهافت والسقوط يثير الدهشة.. ويدعو للاستهجان !!
* بقي ان اعود الى رسالة الزميل الاستاذ عبدالله بن محمد آل الشيخ.. المستشار الخاص لسمو رئيس الهيئة العليا للسياحة وهو بالمناسبة احد الذين كابدوا مشاق العشق لمهنة البحث عن المتاعب.. اشتهر بتغطياته الاخبارية.. واستطلاعاته الصحفية التي تزخر بالحس.. وتنبض بالحيوية.. جمعتنا صحيفة (المدينة) يوم كانت مالئة الدنيا وشاغلة الناس لاسأله: اين ذاك الوجد.. واللهف.. والحنين الصحفي؟ أليس لهذا العشق لحن مسترسل.. وموصول؟ ام انه يخبو بالتقادم ؟ ثم لأجيب مرحباً بدعوته زيارة الهيئة مقدراً رغبة التواصل مع الصحفيين والكتاب في وقت يفر منهم بعض من لهم علاقة بالشأن العام فرارهم من الاسد !! لكن الثقة بالنفس لا يُعبر عنها حقيقة الا من ذاتها.
