بالرغم من تسارع الأحداث في العراق وفلسطين، وما جرى من احتدام في العلاقة بين إيران والوكالة الدولية للطاقة النووية، والتطورات السياسية في المنطقة، وبالرغم من كل هذا الإغراء الحاث على الكتابة، إلا أنني سأواصل ما بدأته في مقال الأسبوع الفائت من حديث عن الإشكالية العالقة بين سائقي المايكروباصات ممن تقل أعمارهم عن الأربعين عاما من جهة، ووزارة المواصلات من جهة ثانية. وهي الإشكالية التي لم نعلم مصيرها حتى الآن، وهل تم تجاوزها ووضع حلول لها، أم أنها لم تزل معلقة دون حلٍ يخرجها من عنق الزجاجة!.
رغم نقد الكثيرين لقرار وزارة المواصلات، إلا أن هنالك، خصوصا من كبار السن من هو مؤيد له، معتبرا إياه قرارا حكيما يحمي الأعراض، ويدفع عن الفتيات الشرور. مستشهدين ببعض الحوادث التي وقعت، وبعض التصرفات السلبية من قبل بعض السائقين الشباب وغوايتهم بعض الفتيات اللاتي انجررن وتأثرن بفعل هذه الغواية.
إن الحديث عن وجود تصرفات سلبية وغير سليمة هو حديث سليم، لا يمكن تجاهله أو إغفاله، لكنه في نفس الوقت حديث يعمل على سد أبواب الرزق والخير والكسب الحلال بذرائع مهما بلغت، إلا أنها لا ترقى لمستوى إصدار قرار بالمنع كهذا. البعض يتحدث مرددا المقولة الشعبية "الشر يعم، والخير يخص"، وكأنها مقولة مقدسة، في حين هي مقولة نسقية ناتجة عن بيئة اجتماعية محددة، لا يصح أن ترقى لمستوى القاعدة التي لا يشق لها غبار ولا يناقش في صحتها، خصوصا أن القرآن الكريم يقرر "لا تزر وازرة وزر أخرى"، أي أن خطأ فرد، أو أفراد، لا يصح تعميمه على المجموع من الناس، بل كل فرد يحاسب على حدة على ما اقترف.
إذا كنا سنعمل بهذا المنطق المغلوط الذي يعاقب الجميع على خطأ فرد، ويسد الأبواب خشية خطأ لم يقع بعد، فمن الأولى أن نغلق أقسام الكيمياء والكيمياء الحيوية بالجامعات، لكي لا نفرخ إرهابيين يقومون باستخدام المواد الكيميائية في صنع مواد متفجرة يقتلون بها الأبرياء. ومن الأفضل أن نسحب جميع علب الكبريت من السوق، لأنه من الممكن أن يستخدمها مجرم في إحراق محل أو منزل أو مكان ما!!.
إن الأفضل من كل هذه السلبية اللاعقلانية أن نفكر بمزيد من العقل والدراية، ونعمل على إيجاد برامج توعوية وتربوية جادة وجذابة، ونعمل على ايجاد فرص عمل وبدائل ترفيه للشباب، ونرقى بمستواه الفكري والسلوكي، بدلا من أن نكيل له سيلا من الاتهامات ونمنعه من مزاولة مهنة شريفة، يقتات منها قوت نفسه وأهله وأبنائه. القرار مهما جرى الحديث عنه بإيجابية، ومهما دعم بأدلة وشواهد، فهو يحتاج لمراجعة وحل عاجلين، لأننا بحاجة لكسب هؤلاء الشباب، وايجاد أرضية صحية تؤهلهم لأن يكونوا أفرادا منتجين، لا أن نلقي بهم على أرصفة التسكع والبطالة، لنبكيهم أو نشتمهم بعد زمن.