لم يكن وحده الخائف الوحيد.. كنا كلنا خائفين ولكنه اعتاد دائما ان يتطلع الى الخلف ويتخيل وقع اقدام تتبعه.. وآذان تسمعه.. وهناك من يرصد حركاته وسكناته وانفاسه.. ولم يتح له في سنوات الخوف تلك ان يتغلب على وجله ورعبه.. ولم يكن لدى ذلك المسكين شيء يخاف منه.. سوى تلك الكتب التي يحملها ويدسها في بعض الاحيان بين ثيابه وتحت ابطه.. ويبالغ في اخفائها.. ونقلها من مكان الى آخر.. احيانا تحت سريره.. وفي احيان اخرى في رف عتيق في خزانة ملابسه.. بل وصل به الامر الى اخفاء بعض الكتب في حفرة تحت الارض في حوش منزله المستأجر في الكرنتينة.. وكنت اعرف كل اماكنه السرية.. التي يخفى فيها كتبه.. ولم اكن مغرما في ذت الوقت بقراءة الكتب ولكني كنت اختلس بعضها تنكيلا وسخرية من حرصه وحذره وكان في كل مرة يزداد خوفه.. ويأتى الى مرعوبا، قائلا : تصور ان كتاب مذكرات جيفارا - الذي كنت اخفيه في مكان لا يعرفه الجني الازرق قد سرق مني.. فأضحك وانشكح سعيدا.. واسأله بخبث - ترى من الذي سرق كتابتك؟ فيجيبني بحيرة هامسا؟
ربما ذلك المسخوط.. الذي يتبعني كل ليلة من مطبعة الاصفهاني الى المنزل.. فأعود لأسأله ولماذا يتبعك او يسرق كتبك.. فيجيبني مندهشا.
يا لغبائك يا أخي - ان هذا عملهم
وهو مكلف بي وبمتابعتي
واسأله لماذا يتابعك وهل ارتكبت جرما..؟
فيضيق ذرعا بي ويصر في :
يا ثور الله في برسيمه.. هذه الكتب ممنوعة.. واصمت قليلا ثم أسأله بلهجة جادة : ولماذا هي ممنوعة..!
فيدفعني من كتفي مغتاظا :
يا أخي فلقتني وصدعت رأسي بأسئلتك - روح اسأل غيري لماذا يمنعون هذه الكتب؟ وافتح درج مكتبي واخرج له كتابه.. وأقدمه اليه فيقفز كالملسوع - هو أنت - الله يكافيك -
ثم يخطف الكتاب ويدسه بسرعة في جيبه
ثم اسأله ضاحكا :
هل تعرف عم جابر.. فراش الجريدة..
قال : نعم
قلت : انه يقطن في نفس الحي الذي تسكن فيه ويتصادف انتهاء دوامه كل ليلة مع دوامك.. وطريقه نفس طريقك.. وهو من تتخيل انه يتبعك.. فيصمت مذهولا ثم يتطلع في وجهي (ويقول :
والله صحيح.. انه يسكن في المنعطف الذي في أول الشارع.. سبحان الله - كيف لم أفطن الى ذلك.. سنوات من الخوف مضت لا مبرر لها والسبب (سي وحيفارا - وهكذا تكلم زرادشت).
ولا أزيد!!