هناك بعض الكتابات التي تتناول الهم الثقافي في بعض الزوايا وصفحات الرأي بالصحف والمجلات المحلية وغير المحلية.. نلتقط هنا بعضا من هذه المقالات لاعادة نشرها لتأكيد اهمية ما تطرحه مرحبين في نفس الوقت بالآراء حولها سواء من توافق معها او اختلاف لتتسع الرؤى وتكبر الدائرة بالرأي والرأي الآخر في عصر يدعو الى الشفافية لجلاء المعرفة بالكشف عما يشوهها وحرب على العتمة بالافصاح عما يكبلها.
الملحق الثقافي
* محيي الدين اللاذقاني
هؤلاء الذين يرحبون بالاستعمار الغربي قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويصرعون اذاننا وعيوننا منذ أربعة اشهر بالتنظير للتغيير من الخارج ألم يلقنهم هذا الغرب ـ الخارج شيئا اخر غير الخنوع غير المشروط؟
ألم يعلمهم مثلا ؟ انه لا يجوز لهم ان يصفوا خصومهم في الرأي بالأحذية والكلاب والوطاويط والمرتزقة والمجرمين الا اذا كان عندهم على كل كلمة برهان ودليل. في الاعلام الغربي الذي يدعون انهم تعلموا منه الحرية واحترام التعددية في الاراء والمواقف، ثلاث كلمات من هذا النوع (الوقح والرخيص وغير المبرر) تهبط بقيمة الكاتب ومصداقية الصحيفة الى الحضيض.
اما في الحي الاعلامي العربي (حارة كل مين ايدو إلو) فيقول الكتاب ما يشاءون دون ان يكونوا بالضرورة احرارا، فالكاتب الحر يعرف بالدرجة الاولى ان الحرية مسؤولية ودرجة عالية من الانضباط الأخلاقي والمهني والاحترام للعقل البشري وان تحمسه لموقف ما لا يعني عدم التفكير في المواقف الأخرى لرؤية درجة ما تحويه من صواب وخطأ.
وقبل ان نحشر الغرب بين كل جملتين، ألم يفكر هؤلاء الشتامون الذين يتحول كل من يخالفهم بالرأي الى مجرم ومرتزق وحذاء وحشرة مهما كانت مكانته العلمية والفكرية، بأنهم في غمرة شجاعتهم الطارئة لمهاجمة النظام العراقي البائد يعيدون دون وعي (وبوعي ربما) انتاج ذات الخطاب البعثي - الصدامي الذي ألغى الاخرين وشردهم ولم يعترف بأفكارهم ولا بانسانيتهم ولا بوجودهم، فقاد بالتالي الى هذه الكوارث التي لا يرون لها حلا الا بعودة الاستعمار.
في الماضي القريب وقبل هذه الكوارث والنكبات القومية كلها كان يقال ان الخيانة الوطنية ليست خيارا سياسيا، وهذا تعبيردقيق في السياسة العالمية وليس العربية وحدها. فالفرنسيون دمغوا حكومة فيشي وكل من تعامل مع النازيين اثناء احتلالهم لفرنسا بتلك الصفة الخيانية وكذلك الحال مع الروس حين احتلهم الفرنسيون ثم غزاهم الالمان. فالدفاع عن استقلالية القرار الوطني وسلامة تراب الوطن قضية كانت وستظل من المسائل التي لا يمكن التفريط بها تحت أي شعار مهما كانت بلاغة الحجة التي يقدمها المتفذلكون الجدد الذين خلا لهم الميدان ـ خلا لك الجو فبيضي واصفري ـ لأن عدد المتورطين مع النظام البائد كان غزيرا عربيا وعراقيا وهذا ما يجعل الكثيرين يصمتون خوفا من ان يأتي من يذكرهم بماضيهم غير العطر في التعاون مع ديكتاتور ترك خلفه من المقابر الجماعية أكثر مما ترك من الانجازات الثورية.
ان الاستعمار الجديد لا يختلف كثيرا عن الاستعمار القديم فقد جاءنا الانجليز والفرنسيون والايطاليون سابقا تحت اللافتة نفسها والشعارات ذاتها وزعموا انهم اتون لتحريرنا وتحضيرنا ومساعدتنا على بناء مجتمعات ديمقراطية ووقتها كانوا مهذبين فاكتفوا بتسمية احتلالهم انتدابا وزعموا ايضا بانهم في مهمة حضارية سريعة يؤدونها ويخرجون وكلنا نعرف ماذا جرى لتلك الوعود... فلماذا نفترض ان المستعمرين الجدد اكثر نزاهة ومصداقية؟
لقد حان لمرحلة التراشق بالشتائم والتهم ان تتوقف وان تتوقف معها سياسة خلط الاوراق فليس من الضروري ان يكون كل من يدعم المقاومة الوطنية العراقية للاحتلال الاميركي مهما كان شكلها (صداميا نجسا) ولا كل من يجتهد ويرى بعض ايجابيات سياسة التغيير من الخارج (خائنا مارقا) فهناك منطقة رمادية من التشويش خلقها الاستبداد العربي واستفاد منها الاستعمار الغربي، ودور الفكر المتنور ان يجلو هذه المنطقة وان يساعد الناس على التفاؤل بالمستقبل الوطني والانساني وعلى اتخاذ موقف مما يجري حولهم من فظائع بدل ان يزيد من قنوطهم وتشويشهم وخلط المفاهيم في اذهانهم بحجة التجديد في الاجتهاد.
* (عن الشرق الأوسط)