يمثل اليوم الوطني للامم يوم مجد وسؤدد، ويوم عطاء وخلود، واليوم الوطني للمملكة العربية السعودية يمثل تاريخا باكمله لكيان قام على الحق وعمل من اجله لبناء وطن اسس على العدل والايمان، ودولة رسمت لها خطا واضحا وصنعت لها موقعا متميزا بين الامم على كافة المستويات واود ان اوجز هذا عن هذا اليوم بثلاث صفحات في كل صفحة منها نتحدث عن رحلة وجيل.
- صفحة جيل التأسيس والتوحيد.
- صفحة جيل الصبر والشروع بالبناء.
- صفحة جيل اليسر والتنمية والتقدم.
عاما بعد عام تهل علينا انوار اليوم الوطني فتضيء بصائرنا بذكريات وعبر تكشف لنا آفاق الطريق في الحاضر والمستقبل مثلما اضاءتها في الماضي.
اليوم الوطني يستحضر في ذاكرتنا قرنا كاملا مضى من عمر الزمان، وكان قرنا سعوديا بلاريب. كان قرنا حفل بالوثبات الناجحة، والاعمال البطولية الكبرى. وفي كل وثبة حقق شعب المملكة العربية السعودية انجازات رائعة هي مفخرة التاريخ الوطني بل والعربي الاسلامي. وكم يحتاج مجتمعنا اليوم ويحتاج ابناؤنا الى التدبر العميق لمعاني التضحيات والاعمال الجليلة التي قام بها الجيل المؤسس من اجل قيام هذا الصرح العربي الاسلامي الشامخ، وخصوصا ونحن نرى ونسمع في هذه الايام اصوات نشازا تعادي الوطن، وتقف ضد وحدته.
وفي هذا المقام اود ان نقرأ ثلاث صفحات مضيئات ونمعن فيها النظر لتشرب قلوبنا بعض الرحيق العطر من سيرة هذا الوطن التي وشمتها على أرضه وفي تاريخه ارادة الله تعالى ثم جهود قيادته وشعبه.
الصفحة الأولى: هي التي تعرض تلك الحركة الاسطورية التي قام بها الملك عبدالعزيز - رحمه الله - لاستعادة الرياض مع مجموعة مختارة من الرجال من كل جسور مقدام، ونذر روحه رخيصة في سبيل استعادة مجد الدعوة والحكم بشريعة الله، تحت قيادة رجل فذ سجل له التاريخ انه كان واحدا من أساطين السياسة والقيادة والحكم وتحريك الجيوش. ولم تكن هذه الحركة من الملك عبدالعزيز مغامرة ومجازفة هوجاء، بل كانت ـ وهنا درس لنا ـ مبنية على فهم عميق لأحوال الوطن، وفهم عميق لما يدور في محيط الوطن، وفهم اعمق للاوضاع الدولية التي كانت تدور في أوروبا خصوصا والعالم عموما. الازمة الدولية مستعصية بين الدول الاستعمارية الاوربية تنذر بالحروب، والقيادة التركية في اسطنبول تظهر ضعفا مستشريا جعلها الرجل المريض، والسكاكين الأوروبية تنتظر اللحظة الحاسمة لتنقض الضواري على هذا الهيكل فتمزقه إربا إربا. وما أن فتحت الرياض ذراعيها لقائدها الجديد حتى أظهر الملك عبدالعزيز مرة أخرى وعيا عميقا بأحوال الوطن في كل مدنه وقراه وقبائله ومشكلاته واتخذ القرار الحاسم: لابد من توحيد الوطن. ومن اجل ذلك وجد شعبا مخلصا يحب أرضه وعقيدته. وقيادته. جيلا كاملا من الشعب العربي السعودي انكر نفسه وترك الدنيا وما فيها وزهد في كل شيء وتوحد في قضية واحدة خلف قيادة واحدة لإقامة وطن واحد. جيلا من الرجال، بل جيلا من المجتمع بأكمله تحمل وطأة الزحوف المتطاولة والاعمال الصعبة من اجل ان ينعم هذا الوطن بوحدته وعقيدته المتطاولة والاعمال الصعبة من اجل ان ينعم هذا الوطن بوحدته وعقيدته وامنه واستقراره تحت قيادة تعلن ان القرآن الكريم دستورها وان سنة النبي الهادي مرشدها.
ومع هذا التوفيق في الداخل كان الملك عبدالعزيز لا يهدأ في نشاط سياسي دبلوماسي مستمر يكسب منه اعترافا بهذا الوطن الجديد في اقامة علاقات دبلوماسية، وعقد اتفاقات سياسية وتجارية، وكسب اعتراف الدول العظمى في عصره، وتوثيق علاقات الاخوة مع العرب والمسلمين. كان الملك عبدالعزيز - وهذا درس آخر لنا - صاحب رؤية استراتيجية شاملة في تسيير شؤون بلاده، يقاتل اذا احتاج للقتال، ويفاوض، ويصالح، ويعفو، ويعقد اتفاقات ويثبت أوضاع الوطن ويبني دولة عصرية. النظرة الشاملة في البناء الداخلي في كل مكان وصله الملك عبدالعزيز والنظرة الشاملة في الحرب والسلام والعلاقات العربية والاسلامية والدولية هي الأساس الرائع لقيادة الملك عبدالعزيز ولإعجاب شعبه به. تحية اكبار نوجهها اليوم لجيل التأسيس والتوحيد، ونقرأ هذه الصفحة بتدبر وفطنة لتكون في دروسها عبرة.
والصفحة الثانية: التي نمعن فيها النظر اليوم في التاريخ الفاصل عندما أضاء اسم المملكة العربية السعودية في سماء العالم السياسي العربي والدولي. في تلك اللحظات غاب عالم لن يعود ان شاء الله تعالى، عالم التمزق، والجهل، والضياع، وانفجر فجر عالم جديد، عالم الوحدة والامن والقرن العشرين. ولكن مخاض الميلاد عسير، ولكل عالم مشكلاته ومصاعبه وويلاته.. ففي المستوى الوطني الموارد قليلة والصحراء تشكل القسم الاعظم من أراضي المملكة الفتية، وهي وان كان جميلة لكنها ضنينة لا تعرف الا شظف العيش والتقشف، والزكاة، وموارد الحج لا تكاد تكفي مصارفها الشرعية، والملك عبدالعزيز نفسه لا يجد اكثر مما يجد شعبه في المأكل والمشرب والمركب والبحث عن الموارد يحتاج للخبراة والعلاقات العالمية مع عالم يموج بالمخاطر، واوروبا قامت بعد الحرب العالمية الاولى بتمزيق الوطن العربي من خلال اتفاقية سايكس ـ بيكو، وخلقت مشكلة فلسطين لتكون جرحا راعفا للعرب كلهم. والاجواء العالمية تنذر بالحرب العالمية الثانية. وفي ظل هذه الظروف ونقص الاموال والثمرات استمر الملك عبدالعزيز في البناء ووطن القبائل وعلمهم الاهتمام بالارض وفتح المدارس وادخل الوسائل العصرية في الاتصالات والمواصلات وشكل هيكلة جديدة للوزارات واجتهد في اعتصار كل مورد ممكن وسخره لسد رمق الناس. وحل المشكلات التي كان يمكن ان تنشأ مع دول الجوار وحلها بروح الاخوة العربية الاسلامية وقاوم اغراءات الفتنة مع الدول العربية المحيطة، وسد أبواب الخلافات ودعا الشركات العالمية للتعاون مع المملكة العربية السعودية على أساس المصالح المشتركة، وكانت شركات كثيرة زاهدة في هذا التعاون تسأل الصحراء فلا ترى الا السراب وأدعاص الرمل والرياح السافيات. ولكن لله في خلقه اسرار والطاف، لقد تفجر الزيت من احشاء هذه الصحراء فاذا السراب ريا وشرابا سائغا لأعصاب حضارة القرن العشرين، واذا الملك عبدالعزيز الذي لا يجد قوت شعبه ينشر الرخاء في بلاده وفي بلاد حول بلاده، مرة اخرى تبرز النظرة الشاملة التي وجهت الملك عبدالعزيز في الداخل والخارج ولكنها نظرة تساندها صفات قيادة صابرة مثابرة، دؤوبة في العمل، واعية لما يدور حولها من احداث، تبني الداخل وتحمي بناءها بعلاقات مستمرة من العمل السياسي والدبلوماسي والصداقات المفيدة ورعاية المصالح المشتركة، ولا تنسى اخوتها العربية والاسلامية ودورها المحوري في الوطن العربي والاسلامي خصوصا ولا تهمل مسؤولياتها الدولية بعد ان اصبحت قراراتها الاقتصادية تحرك اسواق العالم وصناعاته وآلته الحربية تحية الاكبار مرة اخرى نوجهها اليوم لجيل الصبر والشروع بالبناء ونقرأ هذه الصفحة بتعقل ووعي، فان النعمة والخيرات تستحق الشكر لله ثم لمن كان سببا في اغداقها، وتستحق المحافظة عليها.
والصفحة الثالثة: التي اود ان نستدعيها في هذا اليوم هي صفحة جيل ابناء الملك عبدالعزيز من بعده تتابعوا وتتابع الخير معهم. لم يغيروا المبادئ التي قامت عليها بلادنا بل طبقوها حقائق على الارض في طرق المواصلات العملاقة، وفي الاتصالات الحديثة التي وصلت المملكة بكل العالم من الهاتف حتى الانترنت، وفي التعليم والبعثات والجامعات ومراكز العلم، وفي المستشفيات والمستوصفات ونظم صحية شملت كل رقعة في بلادنا وفي نظام للرعاية الاجتماعية اوصل الحقوق الى بيت الصغير والارلمة والمصاب والمحتاج والمعوق والفقير، وفي نظام للخدمات اوصل البنى الحضرية لكل مدينة وقرية وهجرة فأنارتها الكهرباء، وسالت فيها مياه الشرب، ورن فيها صوت الهاتف والجوال والانترنت والتلفاز والاطباق اللاقطة وفي جهود نمت الزراعة والتجارة والصناعة في كل مكان تتوفر فيه ارادة المستثمرين العاملين مع سلسلة من البنوك للاقراض الميسر لكل نشاط ونشيط، طوال فترة طويلة بقيادة أبناء الملك عبدالعزيز الملوك سعود، وفيصل، وخالد رحمة الله عليهم ثم عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز حفظه الله ومعه ولي العهد الامين صاحب السمو الملكي الامير عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله كانت المملكة تجسيدا واقعيا لمجتمع الرفاهية والوفرة واليسر، وخاضت في التنمية الشاملة من خلال خطط التنمية الخمسية التي كتبت على الأرض السعودية برا وبحرا وجوا انجازات ترفع الهامات اعتزازا بالوطن وتحني الهامات شكرا لله تعالى، وترفع الاكف تحية لقيادة هذا الوطن المخلصة التي سهرت على الامن والاستقرار وتوزيع الخير العميم في كل ربوع الوطن. ومع كل المشكلات والمسوؤليات الداخلية فان سياسات المملكة العربية السعودية كانت مشرفة في المستوى العربي والاسلامي والدولي. وهي سياسات رفعت رِأس المملكة العربية السعودية في كل محفل وساندت كل قضية عادلة في المجتمع الدولي، وقدمت الاعانات والقروض والاغاثة حيثما استغاث انسان محتاج، هذه شذرات لا تحصي الانجازات بل تومض سريعا لتذكر وحسب ولمن اراد المزيد فلينظر في أرض الوطن فكل ربوعه تحكي قصة الحياة الجديدة والمجتمع العربي الاسلامي الميسور الآمن المستقر في المملكة العربية السعودية. وهذا درس لنا، ان نحفظ النعمة ونحرسها وننميها ونرفض كل عمل يسعى الى تقويض هذا الصرح العظيم والراية الرائعة التي نستظل بظلها ونستهدي بهدي شعارها: لا اله الا الله محمد رسول الله. تحية الاكبار مرة ثالثة نرفعها اليوم لقيادتنا المؤمنة جيلا بعد جيل وعلى رأسها اليوم قائد مسيرتنا خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - يحفظه الله - وصاحب السمو الملكي الامير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس الحرس الوطني يرعاه الله وصاحب السمو الملكي الامير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام - سلمه الله - وفي هذ اليوم الوطني نجدد لقيادتنا البيعة ونلتف حول الراية الخضراء ونتابع مسيرة النهضة.
في هذا اليوم الوطني العزيز لابد من التذكر فان الذكرى تنفع الأجيال وتثبت المؤمنين. وانها لصفحات كثيرة من المجد والانجازات ولكني هنا اتذكر واذكر بثلاث صفحات ينبغي ان نمعن فيها البصر والبصائر ونشرحها لابنائنا: صفحة جيل التأسيس والتوحيد، جيل منقطع النظير في تفانيه واخلاصه وانكار ذاته في سبيل توحيد الوطن تحت قيادة لا تتكرر في تاريخ الامم من معدن صلب وجد لبناء الدول. وصفحة جيل الصبر والشروع بالبناء، جيل صبور على شظف العيش، دؤوب في استخراج موارد الصحراء الشحيحة الضنينة، جيل تساوى فيه القائد وشعبه في حمل المصاعب ونقص المعايش، والأرزاق، جيل كان فيه الآباء يؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة، حتى فتح الله عليه بركات من السماء والارض ففاض بالخير على كل الناس وكل البلاد والاخوة والاصدقاء. وصفحة جيل اليسر والتنمية والتقدم، جيل النعمة والطفرة والوفرة، ولكنه الجيل الذي رفض ان يكون وطنه مجرد برميل نفط، بل هو وطن العلم والشريعة والانجازات في كل ميادين الحياة، جيل التعليم العام الشامل للأبناء والبنات وجيل الجامعات الذي لم ينصهر في حضارة القرن العشرين ولا ينصهر في حضارة القرن الواحد والعشرين المتعولمة كما يراها غيرنا بل يأخذ منها كل مفيد ويقدم أيضا للانسانية تجربته الاسلامية في التنمية والبناء والجمع بسهولة بين العلم والايمان وبين الاصالة والمعاصرة، وبين الحضارة والاخلاق والقيم، وبين العمران والشريعة التي تعطي الامن والاستقرار والرفاهية في اجواء طاعة الله ورسوله وتطبيق شريعته في اليوم الوطني اوجه تحيه عاطرة مخلصة لهذا الصرح العظيم المملكة العربية السعودية قيادة وشعبا وادعوا الله تعالى أن يديم لها التقدم والازدهار في كل مستقبلات الايام.
@@ معالي وكيل الحرس الوطني د. عبدالرحمن بن سبيت السبيت