أن معظم الممارسات اليومية هي صور لتجارب سابقة ووقائع فائتة وما ذلك إلا لتجنب الأخطاء وضمان النتائج ولذا قل المبدعون وكثر المقلدون. وكما أن هذا ليس مذموماً مطلقاً لكنه باعث على الملل والرتابة، ومن النظريات التربوية المشهورة نظرية التعلم بالمحاولة والخطأ ومع أن الخطأ ليس مقصوداً لذاته إلا أنه بضدها تعرف الأشياء، وقد سأل بعض الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم عن الشر مخافة الوقوع فيه. ومعرفة الخطأ يوازي معرفة الصحة من حيث الأهمية (ولتستبين سبيل المجرمين) وما يصح الإيمان بالله إلا بالكفر بالطاغوت، والمسلم مأمور بالاستفادة من تجاربه الإيجابية بأخذها والسلبية تبجنبها ( لا يلدغ المسلم من جحر مرتين) وكما هو مطلوب الاعتبار من تجارب الآخرين ( لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب) والعاقل من اتعظ بغيره، وقد طبق النبي صلى الله عليه وسلم من تجارب الفرس حفر الخندق، وتعلم الصحابة رضوان الله عليهم الكتابة من اليهود، والحكمة ضالة المؤمن. ان الاستفادة مما عند الآخر وعدم مصادرته بالكلية هي عين العقل فالكل عالم ومتعلم ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً) وما المانع أن ننطلق من حيث انتهى الآخرون. ان أجهل الناس من اعتقد أنه أعلمهم، فالعلم المطلق لله رب العالمين ( وفوق كل ذي علم عليم). أن استشراق المستقبل يتم عبر استقراء الماضي كونه إرثاً تراكمياً ضخماً من التجارب والنتائج فالمستقبل في إطاره العام مشابه للماضي فلا مانع من تطبيق تلك التجارب على المستقبل بما يناسب الدين والمتغيرات.
