الخطاب التكفيري المتطرف المروج لثقافة العنف، يمتاز بعقلية ستاتيكية، وثوقية، لا تركن إلا لذاتها، أو لمرجعيات تراها هي الصواب، تتواءم مع فكرها ومزاجها الخاص، وتغذي نزعاتها العنفية، آخذة إياها نحو مزيد من الجمود القاتل، وهو جمود يعيق السؤال والتفكير والتبصر مما يؤدي لوأد هذا العقل.
هذه العقلية الستاتيكية تبني خطابها على مقولات دينية واجتماعية، وجملة عادات وتقاليد، وثقافات شفوية بدائية، تراكمت بفعل الزمن، وبفعل التعبئة الأيديولوجية، مما جعلها تخرج بهذه الصورة المعقدة والمشوهة، والمعاندة والمقاومة لأي تغير، مهما كان بسيطا أو شكلانيا. خطوة أولى لتفكيك هذا العقل، لا بد أن تبدأ من قراءة مكوناته، ومعرفة العلاقة الخفية القائمة بينها ، والقيام بتفكيك كل مكونٍ على حدة، ليتم قطع تلك الشبكة المعرفية التي تنتج هذا الخطاب.
المكونات قد يكون بعضها صحيحاً، بمعنى، أن هنالك مرجعية معرفية لا خطأ فيها لذاتها، وإنما الخطأ في فهمها، وتأويلها، وطريقة توظيفها، وربطها بالبيئة المحيطة بها، وبباقي مكونات هذا العقل.
القرآن الكريم، هو أحد الأمثلة الجلية لهذه المرجعية السليمة في ذاتها. فالقرآن كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل، وهو بذلك حق مطلق، لا عيب ولا خلل فيه، لكن الخلل في طريقة قراءة هذا النص، وتأويل آياته، وربطها بالبيئة المحيطة، وبجملة مأثورات ومقولات تراثية وشعبية واجتهادات بشرية، تجعل هذا النص المقدس في النهاية عامل هدم لا بناء، وعامل فزع لا أمن وسلام. تفكيك هذه العلاقة ليس بالأمر السهل، الذي يتم بقراءة تقليدية كلاسيكية محافظة، بل يحتاج لجرأة في التشريح المعرفي، وجرأة في الإشارة لمواطن الخطأ، مهما كان هذا الخطأ صوابا في نظر الآخرين، لأنك وضمن سياق هذه العملية لن تصطدم مع أصحاف الفكر التكفيري المتطرف فقط، بل ستفكك منظومة قيم بالية صنعت على مدى أجيال، بل تعود لتجارب تاريخية قديمة، وبالتالي لا بد من حفر معرفي، ستُهدم فيه قيم معرفية، وتفضح فيه أنساق اجتماعية وسياسية ودينية، وتزال فيه هالة القداسة عن مقولات وسلوكيات بشرية، وتصطدم فيه مع مصالح ومنافع ذاتوية. وبعبارة أوجز، ستُمارس عملية تعرية للمرجعية الفكرية للتكفير، تنزع شرعية هذا الفكر من جهة، وتفككه من جهة ثانية، بل وتعمل على هدم قيمه لتحل مكانها قيم أخرى، وهي الخطوة الأولى التي لا بد أن يُبدأ منها لمحاصرة هذا التطرف المتنامي.