ما جاء في جلسة مجلس الوزراء يوم الاثنين الفائت برئاسة سمو نائب خادم الحرمين الشريفين من أهمية تحكيم العقل والتريث قبل اقدام الولايات المتحدة على ضرب بغداد لا يصدر في جوهره من فراغ، ولكنه يستند الى اعتبارات اساسية تتمتع بها المملكة يقف على رأسها وهو الأهم امتلاك المملكة لثقل سياسي كبير كان ولايزال له الأثر البالغ في صناعة توازنات هامة في العالم بأسره ساهمت بشكل او آخر في ارساء قواعد مشهودة من الأمن والاستقرار اما على الجانب السياسي او الاقتصادي، فقد لعبت عدة ادوار شهيرة على صعد اقليمية وعربية واسلامية ودولية لنزع فتائل التوتر من كثير من البؤر الساخنة، والمناداة بالسلام والحرية والرخاء لكافة المجتمعات البشرية، ولا يختلف اي مراقب سياسي أو اقتصادي في العالم على اهمية مكانة المملكة وسعيها الدؤوب للوصول الى الحدود الدنيا من الاستقرارين السياسي والأمني وكذلك الاستقرار الاقتصادي في كل جزء من اجزاء هذه المعمورة التي مازالت تعج ببؤر ساخنة من النزاع في كثير من مناطقها وعلى رأسها منطقة الشرق الأوسط، فبالدعم المالي اللامحدود لكثير من دول العالم ذات الاحتياجات النوعية امكن نشر الاستقرار والأمن في ربوعها بالتخلص من كثير من أزماتها المالية المستعصية، وعلى الجانب السياسي فان المملكة ساهمت في كل محفل في محاولة حلحلة العديد من النزاعات والفتن والاضطرابات في بؤرها التقليدية، وعلى صعيد اقتصادي فان المملكة سعت من خلال ضبط اسعار النفط في الأسواق الدولية وعلاج أزمة الاغراق من انتشال دول العالم من أصعب عثراتها الاقتصادية، ولهذه الاعتبارات مجتمعة فان المملكة اسدت نصائها للولايات المتحدة بعدم ضرب العراق لعلمها يقينا بالآثار السيئة التي سوف تنجم عن هذه الضربة، وعلمها في الوقت ذاته بأن هذه النصائح سوف لا تخدش جوهر العلاقات الراسخة بين الرياض وواشنطن، فهي علاقات صداقة متينة مبنية على الاحترام المتبادل والحرص على استمرارية المصالح المشتركة والسعي لاحلال السلام في العالم واحتواء ظاهرة الارهاب، وليس أدل على قوة هذه العلاقات من الأحداث المأساوية في نيويورك وواشنطن يوم الحادي عشر من سبتبمر الفائت، وما نجم عنها من تحريض اعلامي امريكي ضد المملكة لغايات في نفس بعض تلك الوسائل المسمومة الحاقدة، غير ان ذلك لم يؤثر على متانة تلك العلاقات، بل ان الادارة الأمريكية انبرت لتعلن على الملأ بأن ذلك الهجوم الاعلامي ضد المملكة لا يمثل الا وجهة نظر تلك الوسائل ولا يمثل وجهة نظر الحكومة الأمريكية، وازاء ذلك فان النصائح والتحذيرات السعودية الأخيرة جاءت انطلاقا من اهمية ترسيخ عوامل الصداقة والثقة المتبادلة بين البلدين الصديقين، فاذا كان من السهل اشعال فتائل الحروب في اي مكان فان من الصعوبة اخماد ألسنتها التي قد تتمدد في اتجاهات عدة.