عزيزي رئيس التحرير
ان من اصعب الامور في الحياة، ان نواجه شيئا غامضا لا نعرفه، ولم نعتد على رؤيته ومشاهدته، وهذا ما حدث لي في يوم من الايام، اثناء المرحلة العمرية في الثانوية، حيث انطلق نداء الحق مناديا لصلاة الجمعة، ولاول مرة منذ عشرات السنين اذهب الى الجامع سيرا على الاقدام، اسير بخطوات ساكنات، والهدوء يخيم على جوانب الطريق وفجأة اسمع صوتا خافتا لطفل يبكي، تصورت في البداية انني اتوهم، ولكن الصوت يتكرر، واحست به اذناي مرة اخرى، فقلت في نفسي لعله صوت طفل صادر من احد البيوت، واصلت سيري نحو الجامع، واذا بالصوت يرتفع والبكاء يزداد، مما زاد الشكوك في النفس، وتوجه بصري الى مصدر الصوت، كان يصدر من تلك الشجرة الضخمة الكثيفة التي ساهمت في تظليل الشارع، والتخفيف من حدة حرارة الشمس، سرت نحو مصدر الصوت، والخوف يتملكني،... ماذا اشاهد؟، لن يصدق احد ما شاهدته بل انا نفسي لم اصدق، واخذت افرك عيني غير مرة، حتى تأكدت عيناي، كان طفلا صغيرا في المهد، وقد لف بخرقة من القماش ورمي في ظل هذه الشجرة، وبدا واضحا انه حديث الولادة، فمنظر الدم المتلطخ قد غطى جسمه، لم اصدق ما شاهدت، وتسمرت قدماي في مكانهما، ولم اقو على الحراك، بل عجزت عن التفكير، فلم اعرف ماذا افعل، وكيف اتصرف حيال هذه الطامة التي شاهدتها، وتمر الدقائق والوقت يمضي في سباق عجيب وعجل غريب، واشتعل الصراع الداخلي فتارة تأمرني بان اغادر المكان واترك الطفل فانه سوف يجلب لي مشاكل كثيرة، وتارة يستعطفني قلبي وينهاني عن تلك الفعلة، وقد علا صراخ مناد اين ذهب قلبك؟ واين ذهبت عاطفتك؟، وبلغ الصراع مبلغه، واتى الفرج من الله تعالى في وقت قد عجز فيه العقل عن التفكير، وصل في هذا الوقت احد الاقارب وتعجب من وقوفي في هذا المكان، خاصة وان صوت الخطيب قد غطى المكان وانتشر في الآفاق، ويبدو ان هول المصيبة قد غيبني عما اعيشه في هذه اللحظة، اقترب الرجل وشاهد ما شاهدته فلم يصدق ما رأى، واخذ يكرر النظر ثانية وثالثة، حتى تيقن اكيدا بما يشاهده، وكان احكم مني، فطلب مني ان احضر السيارة، فذهبت لاحضرها في حين عكف هو على حمل الطفل وازالة التراب وورق الشجر الذي علق فيه، وما ان ركب السيارة حتى انطلقنا الى المستشفى وعند حجرة الاسعاف اوصلنا هذا الطفل، واستقبلنا المسؤولون هناك باريحية ورحابة صدر كبيرين، وقام الطبيب المناوب بعمل اللازم مشكورا، واخبرناه بالموضوع فطلب حضور الشرطة، وحرر محضرا كاملا بالموضوع، ومع الاسئلة والتحقيق مع رجل الامن مشكورا على صنيعه، غادرنا المستشفى ونحن في اسى شديد، وحزن كبير، التفت الى قريبي فرأيته قد اطلق العنان لدموعه، وبدأت شهقات بكائه تتزايد وتتعالى، في حين لم اتمكن من حبس دمعة قد انطلقت من محبسها، شاقة الطريق الى الوجنة، وهي تحمل حرقة ومرارة على هذا الفعل المشين، والعمل القبيح الذميم، وبعد ثلاث سنوات وها أنا ادرس في الجامعة، ولا اعلم ما اخبار ذلك الطفل الذي تبين بعد ذلك انها فتاة، ويبدو ان الجبن قد بلغ مني مبلغه فجبنت عن الحضور للسؤال عنها ولو مرة واحدة، ولو لرؤيتها، ولكن قلبي لا أظنه يتحمل رؤية عمل قبيح قد صنع بهذه الفتاة الجميلة الصغيرة، لا اظن ان قلبي يتحمل تلك القسوة وتلك الوحشية، التي تستعرض مخيلتي عند مشاهدة تلك الصغيرة، فبالامس كنا نسمع بهذه الحوادث، فتنكسر لها الخواطر، وتحزن عليها المشاعر، فكيف بهذا الموقف وقد حصل لك، ماذا سيكون موقفك؟؟، ماذا سيكون شعورك؟؟، هل تتحمل رؤية ذلك؟،وكم كان الخبر صاعقا لي، فهل يوجد اب يرمي بطفله في الشارع؟، وهل هناك قلب أم حنون ترضى برمي طفلتها في الشارع؟، فإما ان تلقى مصيرها في دار الايتام، واما ان تلقى مصيرها الابدي، وياله من وأد جاهلي جديد، نعم انه وأد القرن الحادي والعشرين، فتلك غلطات جرائم السفاح، ونتيجة العلاقات المحرمة، فلم يجدا لها سوى ذلك الحل، وياله من وأد جديد، ولكنه قد تطور ورقي فاصبح يشمل الجنسين، وليس مقتصرا على جنس الاناث، وسيحاسب هذان الآثمان على فعلتهما في يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، عندما يسألهم الله تعالى ذلك السؤال (وإذا الموؤدة سئلت (8) بأي ذنب قتلت) سورة التكوير 8: 9، فبماذا سيجيبون؟ وبماذا سيخبرون؟، وبماذا سيعللون ويتبجحون؟.
احمد بن خالد احمد العبدالقادر ـ طالب بكلية الشريعة