ليس هناك من ينكر على الولايات المتحدة حقها في محاربة الارهاب سواء كان ذلك عن طريق استخدام حق القوة التي تملكها او الاهم من ذلك لانها تعرضت للهجوم في الحادي عشر من سبتمبر. لكن على الرئيس بوش ايضا ان يخبر الشعب الامريكي عن الجهود التي بذلها الحلفاء من اجل ونيابة عن الولايات المتحدة. واذا لم يفعل فان الولايات المتحدة ستجد نفسها تتردى اكثر في العزلة والتصرفات الاحادية وسينتج عن ذلك ان القيادة التي تتولاها بحق وتجد قبولا عالميا ستنتكس مع الزمن وتتقوض بسبب الامتعاض والتبرم الذي يسود الشارع العام في تلك الدول التي اعطت الولايات المتحدة كثيرا ولم تتلق من الشكر سوى النذر اليسير. حلف الناتو الذي درجت الولايات المتحدة على المسارعة لانتقاده ينبغي عليها ان تتعلم كيف تشكره وتمتدح جهوده. ولعل بريطانيا هي المثال الأوضح. فالمملكة المتحدة هي البلد الوحيد التي لديها قوات مشاركة في جميع العمليات الارضية على مختلف مستوياتها في افغانستان. وهي التي انقذت (عملية السلام المطلق) من الفشل. وقوات سلاح الجو البريطاني هي التي قادت عمليات القوات الخاصة.وقوات الملكية البحرية البريطانية شاركت في اكثر العمليات خطورة (طرد القاعدة من مخابئها ومكامنها المتبقية في جبال افغانستان). وقام مهندسو السلاح الملكي باعادة بناء قاعدة باغرام العسكرية بينما قاد الجيش البريطاني اعنف عمليات السلام التي جلبت السلام والامن الى كابول.
بعد كل هذا الادارة الامريكية ووسائل الاعلام الامريكية كانتا وما زالتا تتجاهلان الدور البريطاني وتقللان منه وتلجآن الى المبالغة في تضخيم الاثر والبطولات الامريكية. للاسف ليس الجحود وحده احد مظاهر الاحدية الضيقة لهذه الادارة وهو ليس نوعا آخر من الافراط في الغرور الذي يتملك الامريكيين حاليا ببلدهم. وانما يعكس الى حد كبير محاولة مستمرة من قبل القيادة الامريكية للتعتيم على فشل السياسة الامنية الامريكية وعجزها عن حماية الشعب الامريكي من التهديدات الجديدة التي يواجهونها.
القاعدة نوع جديد من تلك التهديدات تخلط اخلاقيات المقاتلين بالسلوك الاجرامي والتكنولوجيا. ومع ان اجهزة المخابرات الامريكية سبق ان تلقت التحذير ومنذ وقت بعيد من مثل هذه المخاطر فان ضعف تمويل واعاقة عمل الاستخبارات الخارجية الامريكية ووكالة الامن القومي حالا دون القيام بعمل وقائي.يضاف الى ذلك البعد العسكري المفرط للجيش الامريكي الذي انكب على الاعداد للتصدي الى مواجهة تكنولوجية عالية ضد اتحاد سوفيتي وهمي قادم. ولهذا عندما كشفت أحداث الحادي عشر من سبتمبر الحاجة الى قوات تقوم بالعمل العسكري الحقيقي الذي يؤديه جنود المشاة على الارض وفي الوحل كجزء من الجهد المبذول لإعادة الاستقرار للدول المضطربة كافغانستان جنح الجيش الامريكي لاستغلال ذلك الهجوم من اجل المطالبة بالمزيد من الاموال لتجهيز المزيد من القوات لخوض حرب ضد عدو لا وجود له. ان الدروس القليلة التي استفيدت من تلك التراجيديا ثقبت كما يبدو (زبدية) واشنطن المصنوعة من الذهب.
فكان من عجائب المفارقات ان ما تحتاجه امريكا من اوروبا بعد كل الذي قدمته لا يكفي.
* فهي بحاجة الى قوات خاصة متخصصة في التصدي لعمليات الاختراق المضاد.فقد اتضح ان القوات الامريكية في هذا المجال ليست بالمستوى الذي درجت على تصوير نفسها فيه.
* وهي بحاجة لقوة حفظ سلام وقوة صنع سلام تستطيع ان تعيد الاستقرار الى مناطق موبوءة بعدم الاستقرار والاضطرابات.
* ثم هي بحاجة الى مخابرات بشرية فعالة ومتمرسة تعتمد على معرفتها المباشرة بالمجتمعات وبالارض والثقافات التي تفجر مثل هذه المخاطر. وهذا هو الفراغ الذي يأتي دور بريطانيا لملئه والبريطانيون هم قادة العالم في هذه المجالات. وقواتهم الخاصة افضل من رصيفتها الامريكية. ومقدرتهم على القيام بعمليات حفظ سلام محفوفة بالمخاطر وفي بيئات معقدة امنيا متفوقة بشكل كبير على ما لدى الولايات المتحدة.
والاكثر من ذلك ان المخابرات البريطانية مازالت تعمل على الارض وليس من الفضاء فقط. والحقيقة الواضحة هي ان الولايات المتحدة بحاجة الى بريطانيا في افغانستان. وذلك ببساطة لأن قواتها في معظم جوانب هذه المهمة ليست على مستوى العمل المطلوب. اذا اوروبا لديها فرصة ان تشكل قوة طوارئ خاصة بناء على ما انجز في افغانستان في حدود خمسة آلاف رجل بتكلفة اقل نسبيا وتجهيزها بأهم متطلبات العمليات العسكرية للقيام بالمهام قصيرة ومتوسطة المدى.
وهذا لا يضيف فقط لأمن ودفاع اوروبا عن نفسها بل سيزيد ايضا وبشكل ملحوظ تأثيرها في واشنطن وذلك بتذكير الولايات المتحدة ان الأمن طريق متعدد الاتجاهات عبر الاطلسي.
وبدون وجود اعتراف امريكي اساسي بأهمية استثمار العلاقات عبر الأطلسية سيكون من الصعب تصور الكيفية التي يمكن ان تظل بها تلك العلاقة قائمة.وحتى يتحقق هذا الهدف يتطلب من اوروبا ان تتبع المثال البريطاني بدل التقوقع في حظيرتها الاستراتيجية التي ظلت تقيمها منذ عشر سنوات متصلة. لا شك في ان استعداد اوروبا لنشر قوات في افغانستان يشكل اشارة مشجعة ولكن سيساعد كثيرا لو ان واشنطن قدرت وبشكل صحيح الجهود التي بذلت من أجلها حتى الآن.
فنحن في ذلك معا ولمدة طويلة قادمة ومعظم الأوروبيين يدركون هذه الحقيقة.لكن للاسف ان طبيعة الولايات المتحدة قائمة على ان النجاح لا يمكن ان يكون الا امريكيا فقط.
بالنسبة لنا نحن الاوروبيين الذين يعتقدون ان امريكا تعمل على شطب اسم اوروبا من سجل التاريخ أمر مؤلم ومثير للاحباط. واذا كان القرن العشرون هو قرن الزعامة الامريكية فان القرن الحادي والعشرين يمكن ان يصبح قرن المأساة الامريكية. @ جوليان باحثة اولى في المعهد الاوروبي للدراسات الأمنية وقد بعثت بهذه المشاركة لصحيفة هيرالد تربيون الامريكية.