لا أحد يعلم ان تلك الكلمات الصادقة التي تفوه بها الدكتور مانع الجهني قبل رحيله بأسابيع قليلة في محاضرة بالمنطقة الشرقية كانت في الحقيقة كلمات وداع لتاريخ حافل بالخير وزاخر بالعطاء الدعوي. كنا نستمع اليه بنهم شديد حينما استضافته الندوة العالمية للشباب الاسلامي في اطار مهرجان الشرقية السياحي ليلقي محاضرة قيمة عن العولمة وواقع الامة الاسلامية في قاعة امانة الدمام. وعندما كان يستعرض واقع الامة الاسلامية في ظل العولمة وينادي بالوحدة الاسلامية لمواجهة التحديات انما كان يضع بصمات لحياة حافلة بالعطاء ومعين فكري ثر لأجيال قادمة وايام قادمات.. ولا ندري.. ولا هو يدري ولكن كلنا كان يؤمن باقدار الله تعالى وآجاله.اهل المنطقة الشرقية ربما كانوا اكثر حظا حينما اتحفهم الدكتور مانع بوصايا الودائع.. انه لم يقل لنا انها وصايا ولكنها كانت كذلك فقد نطق بكلمات غاليات عظيمات اذا تمسكت بها امتنا اليوم يمكن ان يؤسس لواقع جديد لها يقاوم بها السيل الجارف من تداعيات العولمة التي تجتاح عالمنا الاسلامي.
الدكتور مانع الجهني ـ رحمه الله ـ كان يتحدث في المحاضرة حديث الطبيب العارف بواقع الامة الاسلامية.. ومآلالتها وعناصر قوتها وكذلك عناصر هوانها وضعفها فقد كان يدعو ـ رحمه الله ـ الى التوحد والوحدة وتماسك الأمة الذي سيكون صمام الامان لعالم متغير لا يرحم الامم الشتات.
فقد راهن الدكتور الجهني ـ رحمه الله ـ على ان الاسلام دين قوي وشامل وان الامة اذا ماتمسكت به يمكن ان يقدم بديلا للعالم والعولمة ذلك لان الاسلام رسالة شاملة وهو دين عالمي يحترم الانسان اينما كان ويراعي حقوقه ويدعو الى العدل والمساواة وهو بهذه المقومات حري بان يقود العالم والامم قيادة رشيدة الى امان الله تعالى وحري كذلك بان يكون بديلا للعولمة بمسمياتها وتوجهاتها المختلفة لاسعاد البشرية جمعاء. ولتحقيق هذا الهدف وسيادة الامم اشترط الدكتور مانع ـ رحمه الله ـ وحدة الكيان الاسلامي الكبير وشدد د. الجهني في هذا الصدد في وصيته على ضرورة نبذ الخلافات والفرقة ونادى بملء فيه بالوحدة والتمسك بهذا الدين الحنيف وتطبيق منهجه القويم وتقديمه للعالم كما امر به النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال "تركت فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي ابدا كتاب الله وسنتي"..
فالدكتور مانع بن حماد الجهني ـ رحمه الله ـ انخرط في خدمة قضايا الاسلام والمسلمين منذ ان كان طالبا حيث شارك في نشاط اتحاد الطلاب المسلمين في الولايات المتحدة وكندا اثناء دراسته. وكان رئيسا لفرع اتحاد الطلاب المسلمين في جامعة انديانا لفترتين وكذلك رئيس للجنة التربية والتعليم وعضو اللجنة الفقهية في الاتحاد الاسلامي لامريكا الشمالية.
وبعد تخرجه ونيله الدرجات العلمية العليا التحق بالعمل بجامعة الملك سعود وكان متطوعا في الفترة المسائية في الندوة العالمية للشباب الاسلامي منذ عام 1403هـ أمينا عاما مساعدا ثم امينا عاما الى ان توفاه الله تعالى هذا فضلا عن انه كان قد اختير عضوا لمجلس الشورى عام 1417هـ ثم اعيد اختياره لدورة ثانية عام 1422هـ.في خضم هذه المسيرة المباركة كان هناك جانب آخر اكثر اشراقا في حياة الدكتور الجهني وهو رحلته الطويلة مع الفكر والدعوة واهتمامه بدعوة غير المسلمين تمثلت في كتاباته باللغة الانجليزية ومشاركاته في البرامج الاذاعية والتلفزيونية التي قدمها في اذاعات وتلفزيونات الخليج فضلا عن انه كان عضوا في عدة هيئات لدعوة غير المسلمين ويرأس منظمتين عالميتين تهتمان بهذا المجال اضافة الى عضويته ـ رحمه الله ـ في كثير من المنظمات والهيئات الدعوية والخيرية والجامعات الاسلامية في انحاء العالم.
كما اعد واشرف ـ رحمه الله ـ على عدد من الكتب والرسائل التعريفية التي تقدم الاسلام لغير المسلمين ترجم معظمها الى اكثر من خمسين لغة من لغات العالم والف الدكتور الجهني ـ رحمه الله ـ في المجال الدعوي باللغتين العربية والانجليزية وترجم منهما واليهما اكثر من 9 بين كتاب ومجلد وموسوعة وبحث مطول.كما كانت له اهتمامات اكاديمية ومتابعات ادبية حيث الف وترجم عددا وافرا من الكتب والبحوث في هذا المجال.
ورحلته الاكثر اشراقا كانت قيادته للندوة العالمية للشباب الاسلامي أمينا عاما ليس اشرافا فحسب بل تخطيط وتنفيذ لأعمالها ومناشطها الدعوية والخيرية في انحاء العالم.
سائلين الله ان يتغمده بواسع رحمته وينزله منزلة الشهداء والصديقين وحسن اولئك رفيقا والهمنا واهله حسن الصبر والدعاء له.
إعلام الندوة العالمية للشباب الاسلامي بالمنطقة الشرقية.
