وذلك أمر غريب لأن أي مشتغل بهذا المجال في دول العالم الثالث لا يلبث أن يشتهر إن لم يكن في بلاده ففي الغرب حيث تلتقطه مؤسسات عديدة هناك لتتخذ منه أداة دعائية للترويج لأوهام دفاع الغرب عن حقوق الإنسان. وحتى هذا لم يحدث لشيرين عبادي مما قد يعني أن المطلوب كان وجها جديدا لم تحطه الدعايات ، والشبهات بحيث يمكن استغلاله علي نحو أفضل.
كانت جوائز نوبل المختلفة وبالذات جائزة السلام متهمة علي الدوام بأنها تخضع للاعتبارات السياسية وليس الموضوعية عند منحها. وكان الرد دائما يأتي من جانب مانحي الجائزة بالنفي ومحاولة الرد.. غير أن منح جائزة السلام هذا العام للمحامية الإيرانية شيرين عبادي جاء ليقضي علي كل حجة من حجج المدافعين عن موضوعية الجائزة لأنه كان اختياراً مغموساً في السياسة حتى النخاع ومحكوماً في كل جوانبه باعتبارات سياسية لا تخفى، إلي حد أنه أصبح من التمارين المألوفة في الإعلام عقب منح الجائزة البحث في هذه الأبعاد السياسية دون أن ينظر في أحد لمدى استحقاق شيرين عبادي لها من عدم ويبدو أن أحدا لم يصدق أنها تستحقها بالفعل لا سيما وأنها كانت مغمورة وغير مسموع بها داخل بلادها بل وداخل المجال الذي منحت الجائزة لأجله وهو مجال الدفاع عن حقوق الإنسان. وذلك أمر غريب لأن أي مشتغل بهذا المجال في دول العالم الثالث لا يلبث أن يشتهر إن لم يكن في بلاده ففي الغرب حيث تلتقطه مؤسسات عديدة هناك لتتخذ منه أداة دعائية للترويج لأوهام دفاع الغرب عن حقوق الإنسان.. وحتى هذا لم يحدث لشيرين عبادي مما قد يعني أن المطلوب كان وجها جديدا لم تحطه الدعايات ، والشبهات بحيث يمكن استغلاله على نحو أفضل .
البعد السياسي ظهر بوضوح حتى فيمن لم تمنح الجائزة له وهو بابا الفاتيكان الذي كان من المرشحين الأقوياء لها لكنه لم يحصل عليها مما أغضب رئيس بولندا السابق ليش فاليسا وجعله يصرح بأن ما حدث كان غلطة جسيمة.. لكن السياسة كان لها الدور الأول في إبعاد البابا الذي لم يعد لديه ما يقدم للغرب وهو يحتضر الآن كما أن مواقف الكنيسة الكاثوليكية تحت رئاسته أصبحت تخالف التيارات السائدة في الغرب الآن لا سيما في قضايا تحديد النسل وزواج الشواذ والاعتراف بالشذوذ وتقنية وتعيين النساء كاهنات، كما لا ينسى الغرب موقف الكنيسة المعارض للحرب على العراق. فضلا عن أن البابا قد قدم أفضل خدماته للغرب منذ ما يزيد على العقدين من الزمان حينما أشعلت الكنيسة الكاثوليكية نيران الثورة في بولندا مما بدأ سلسلة الانهيارات في دول المعسكر الشيوعي الأوروبي . وهو لم يعد عنده الآن ما يعطيه وكان قد تم إعطاؤه المكافأة على هذه الخدمة بالتمجيد والمديح الإعلامي وهذا يكفي في نظر البعض. وانطبق نفس المنطق بدرجات متفاوتة علي المرشحين الآخرين هذا العام لجائزة السلام .
والبعد السياسي ظهر بشكل أوضح في البيان الأول الذي أعلنته لجنة منح الجائزة والذي تحدث عن جهود شيرين عبادي في مجال تغير قوانين الأحوال الشخصية وعن أنها تمثل تيار الإصلاح في الإسلام. وكان هذا التبرير غريباً لأنه لم يقل أحد أن لجنة منح جائزة نوبل هي من الفقهاء والعلماء والدارسين الذين يعنون بشئون الإسلام والذين يحق لهم إبداء الرأي فيما يعد إصلاحاً في الإسلام أم لا كما أنهم أصلا غير ذلك، والملاحظة أن لجنة نوبل لا يفترض أن تعطي الجائزة علي من يقوم بنشاط إصلاحي أو إحيائي في دين من الأديان أو عقيدة من العقائد بل يفترض أنها نعطي للسلام إلا أن هذا الحديث عن مكافأة الإصلاح الديني المزعوم في الإسلام يناقض الأساس العلماني المتضمن في مفاهيم منح الجائزة الذي لم يسمع أحد أنها منحت من قبل لأي شخصية على أساس أنها قامت بخدمة إصلاحية أو غير إصلاحية لدينها وعقيدتها ومذهبها الفكري أيا كان. ويبدو أن هذا الحديث المكشوف عن تشجيع الاتجاه المسمى بالإصلاحي وتغير قوانين الأحوال الشخصية الإسلامية في إيران قد فضح اللعبة السياسية إلى درجة أنه جرى التراجع عنه مباشرة وفي نفس اليوم تقريباً وأخذ الحديث حول منح الجائزة يدور حول دفاع شيرين عبادي الذي لم يسمع به الكثيرون عن حقوق المرآة والطفل ثم تغير مسار الحديث في اليوم التالي يقال أن سبب منحها الجائزة هو الدفاع عن حقوق الإنسان بشكل معمم مبهم دون الدخول في التفاصيل وذلك لأن القليل أيضا هم الذين سمعوا عن نشاط لها في هذا الميدان. وهكذا ومنذ البداية كان واضحاً أن لجنة منح الجائزة تتدخل بشكل صارخ ومنحاز في شئون دين لا دراية لها به وتشجيع وتكافأ حدوث تغير فيه وصف بأنه إصلاح دون أن يكون لأصحاب هذا الدين أي شأن أو معرفة بما يحدث. وهذا الخروج عن كل أسس الموضوعية أو أسس منح جائزة للسلام (ودعك عن الحديث اللاحق عن حقوق الإنسان المستخدمة للتعتيم) جاء بهدف هو الاندراج داخل الحملة الغربية العامة الموجهة الآن ضد الإسلام تحت تيار مكافحة الإرهاب.. وهذه الحملة تأخذ أبعاداً أصبحت معروفة الآن بدءاً من تغيير المناهج التعليمية وتجفيف ينابيع التدين إلى "تجديد" الخطاب الديني وإصلاح الفقه والشريعة وهو ما قالت لجنة منح الجائزة في بيانها الأول أن شيرين تقوم به وأنها استحقت الجائزة عليه.
والبعد السياسي واضح في الرسالة أو بالأصح التكتيك السياسي الكامن وراء اختبار شيرين عبادي بالذات دون سائر المائة والستين مرشحاً لنيل الجائزة. اللجنة نفسها أصيبت بالحرج إزاء هذا الاختيار فراحت تحاول تبريره بعذر هو أقبح من الذنب إذ ذهب بعض المدافعين عنها إلى أنها باختيارها سيدة مسلمة تعمدت أنها تثبت أنها ليست منحازة للمسيحية بحكم أنها لجنة غربية التشكيل . ولكن تناسى هؤلاء أن أحدا لم يتهمهم بالانحياز إلى المسيحية أو إلى غيرها من الأديان وأن التهمة الموجهة لهم ومنذ فترة هي أنهم يدخلون الاعتبارات السياسية في الحسبان بشكل واضح عند منح جائزة نوبل للسلام وإن الاعتبار السياسي كان هذا المرة كأوضح ما يكون. واختيار السيدة المغمورة التي ذهلت هي نفسها من منحها الجائزة كما قالت كان أسلوب سياسي بديع في الإخراج لا تقدم عليه لجنة علمية أو أكاديمية بل تقدم عليه وزارات الخارجية وأجهزة الاستخبارات . فقد وضعت اللجنة الحكومية الإيرانية المستهدفة هذه الأيام بهجمة غربية في مأزق فريد من نوعه.
وهنا نصل إلى قلب الهدف.. فالجائزة لا تهدف فحسب وكما ذهب البعض إلى إحراج النظام الإيراني الحالي أو إلى تسجيل نقطة دعائية ضده في حرب تشويه الصورة كما أنها لا تهدف إلى تشجيع تيار علماني متغرب يتبناه الغرب الآن في العالم الإسلامي بغرض إحداث انقلاب عام لتشويه بنية الفكر والعقيدة الإسلامية بل إن الهدف السياسي البحت والأسمى والعملي من منح الجائزة في هذا الوقت وبالذات ولهذه الشخصية وبالذات مع تجاوز شخصيات عديدة أولى بالجائزة هو أن يكون المنح نقطة انطلاق وتشجيع لكي تقوم شيرين عبادي ومعها الشخصيات الأخرى في إيران ذات التفكير المشابه بالتجمع والنشاط والحركة مستغلين تسليط أضواء الإعلام الدولي عليهم بفضل الجائزة ومستغلين ارتباك الحكومة الإيرانية في التصرف إزاء الجائزة وصاحبتها.
إن منح جائزة نوبل للسلام لهذا العام وعلى هذا النحو يمثل منحنى خطرا لأنه واضح البعد السياسي وهو بعد يتسم بالخطورة لأنه موجه ليس فقط ضد دولة إسلامية كبرى بهدف إسقاط نظام السياسي بل ضد العالم الإسلامي ككل لأنه ينظر على توجه غير منكور بل معلن لإحداث ما يسمى بإصلاح للإسلام هو في حقيقة أشبه بالهرم له كما أنه يأتي وسط حملة تستهدف ضرب أي محاولة للنهضة الإسلامية.
*وكالة الأنباء الإسلامية