الحديث عن شوارع الأحساء يأخذ مجراه، يكبر بحجم مشاكلها التي يعانيها كل مواطن، وعابر، ومستخدم، كضيف أو زائر أو سائح، يبحث عن الأحساء، في مواقع اختزلها عبر صور نقلها التاريخ والجغرافيا والأدب والثقافة بواسطة القنوات المختلفة إلى الوجدان. الحديث لا ينتهي، فشوارع الأحساء تذكرني أيضا بغرف العمليات في المستشفيات، وأيضا تذكرني بجميع أنواع المطابخ في العالم. هناك رابط واحد بين غرف العمليات والمطابخ وهي الجراحة.
كلها تستخدم الأدوات والآلات.
بعضها يقطع اللحم، وبعضها يفرم اللحم والعظم.
بعضها يقطع الخضار، وبعضها يقشر البصل والثوم. في النهاية، هي إعداد لطبخة بغرض معين أو عملية استئصال أو تجميل.
وهكذا شوارع الأحساء، بعمليات فاشلة وطبخات غير ناضجة. تجد أنها شوارع كل شبر فيها لا يخلو من جرح نتيجة للحفر والدفن.
لا تخلو من آثار التقطيع،
لا تخلو من آثار التشويه وآثار القص واللصق. في المطابخ وغرف العمليات يتم رمي المخلفات في مكان خاص، أما شوارع الأحساء فمخلفاتها لا يمكن رميها، لأنها عبارة عن طيات أو مطويات من الإسفلت، وحفر مغطاة بالماء العكر، أو مكشوفة تتحدى أن تنكمش. تجد أن تجاعيدها لا تنقرض، ولكنها تجاعيد تنتشر وتتمدد لتطال كل شارع وزاوية. شوارع تحولت إلى جثث في غرف العمليات للتدريب.
شوارع تحولت إلى أصناف غير شهية في مطابخ القوم. جميعها بدون رقابة. شوارع الأحساء تذكرني بكل ألوان الموسيقى الشرقية والغربية.
فهناك سلالم موسيقية في كل شارع.
بعضها كبير، وبعضها صغير.
بعضها يصدر أصواتا صافية وبعضها يصدر أصواتا خافتة.
كل هذا نتيجة لاحتكاك الحديد بالإسفلت. ولأن السيارات من كل جنس ولون، تجد أن الموسيقى تتنوع هي الأخرى، وفقا لنوع السيارة ومدى جودتها في العزف، سواء بالارتطام أو الحك أو التعليق في احدى الحفر الكبيرة.
حسب نوع الموسيقى وجنسيتها تكون الفاتورة.
نغمات الألماني يختلف عن نغمات الكوري. شوارع الأحساء تذكرني بكل أنواع فن الرسم والنحت.
فهناك مدارس في حفر هذه الشوارع وترقيعها باللون الأسود.
هناك نحاتون، وهناك رسامون كل حسب مهمته وأصول فنه. الشيء الغريب أن الناس بعد انتهاء فنون النحت والرسم هذه، لابد أن يشاركوا بسياراتهم في رص اللون الأسود في باطن الأرض.
مجانا لوجه الله. كل ذلك الرص، لإظهار جمال النحت في منحنيات وأقواس واضحة.
جمال أخاذ، ولكن لشركات قطع الغيار، ولأصحاب المصالح، الذين يرسمون الشوارع، بمواد تشكل هضاب الشارع وتضاريسه. وهي تسوء يوما بعد آخر، ومن سنة إلى أخرى.
كنتيجة، تختفي الطبقة السوداء.
يظهر الطين الذي إليه نعود. شوارع الأحساء تذكرني بكل أنواع البحار، وبموجها الهادر.
معاناة راكبيه في قوارب النجاة.
فهم دود على صفيح، الداخل مفقود، والعائد إلى بيته مولود. شوارع اغلب أحيائها، تفيض بنوافير المياه.
تتحول هذه الشوارع إلى جداول مائية تشق طريقها من شارع إلى آخر.
ولابد أن تجد لها مكانا للتجمع كبحيرات صغيرة. مستنقعات وحفر مغطاة بالوحل والروائح الكريهة،
تشكل موجات متلاحقة في كل صوب من الشارع.
وترى تمايل كل مركبة، وترى أيضا اهتزازاتها، وترى أن لها القدرة على الارتفاع والانخفاض. البعض يحتاج إلى دليل لتفادي الضياع في حفرة.
وتجد البعض يستجدي إخراج عجلة السيارة التي غاصت في وحل حفرة خالية من الإسفلت.
العبور من وفي شوارع الأحساء، هو عبور من حياة إلى أخرى، ومن حالة إلى أخرى، ومن مشكلة إلى أخرى. مع السلامة:
دعاء الخروج من البيت.
الحمد لله على السلامة.
دعاء استقبالك في البيت، ومع كل مشوار. شوارع تستغيث الراعي والحامي ربنا يعدلها.