تقدم الهيئات الاسلامية الاعضاء بالمجلس الاسلامي العالمي للدعوة والاغاثة بالتنسيق مع رابطة العالم الاسلامي ورقة عمل اسلامية لمؤتمر قمة الارض العالمية للتنمية المستدامة التي بدأت اعمالها امس في جوهانسبرج بجنوب افريقيا وتستمر حتى 4 سبتمبر 2002.
ويشارك من الهيئات الاسلامية وفد كبير المستوى من رابطة العالم الاسلامي والهيئة الخيرية الاسلامية العالمية وهيئة الاغاثة الاسلامية العالمية والمجلس الاسلامي العالمي للدعوة والاغاثة والندوة العالمية للشباب الاسلامي واللجنة الاسلامية العالمية للمرأة والطفل وغيرها من الهيئات الاسلامية الاعضاء وتتضمن الورقة الاسلامية في المؤتمر التعريف بالبدائل الاسلامية لما يتعارض مع الفطرة البشرية التي فطر عليها بني البشر ويدعو اليها الاسلام. تؤكد ورقة المنظمات الاسلامية على تأييدها ودعمها للاتجاه العالمي لتشجيع التنمية المستدامة والمشاركة في التزاماتها، وتكاليفها والتخطيط لبرامجها وفق منهج واضح لا يتعارض مع الفطرة السليمة. ولا شك ان التنمية المستدامة اذا ما وضعت في اطارها الصحيح ستنسجم ولن تتعارض مع رسالة الاسلام من وجوه كثيرة، ذلك ان الاسلام ينظر للجنس الانساني كأسرة واحدة وان اختلفت السلالات والالوان والاديان، والحضارات، كما يؤكد القرآن الكريم في اكثر من موضع (يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله اتقاكم). وهناك امور كثيرة اشار لها الكتاب العزيز، واحاديث النبي الكريم تتضمن الحث على التعاون على الخير، واشاعة العدل، ومنع الظلم، وتحقيق السلام، والمشاركة في كنوز الارض وثرواتها التي جعلها الخالق رزقاً ومتاعاً للانسان (ولقد مكناكم في الارض وجعلنا لكم فيها معايش قليلاً ما تشكرون). وحث الاسلام الانسان على استغلال طاقاته الجسدية، وقدراته العقلية لاسعاد حياته وتحسين ظروف معيشته دون توقف (ما عندكم ينفد وما عند الله باق) وها هو العلم يكتشف في كل يوم مصادر جديدة للثروة والرزق لم تكن معروفة لدى الاسلاف، مما يقوي امل الانسان في مستقبل يتطور دائماً نحو مزيد من الكفاية والرفاهية للجميع.
وفي الوقت الذي يذكر الله فيه مخلوقاته بما افاء عليهم من اسباب النعيم والرزق المخزون لهم في طبقات البر والبحر، ويدعوهم للكشف عنه والافادة منه، فهو يدعوهم للايمان بواهب النعم، وعبادته - كذلك وشكره. ويحذرهم من الانسياق وراء الشهوات او الركون الى الغطرسة والاستعلاء، والتمرد على اوامر ا لله ونواهيه (ان الانسان ليطغى ان رآه استغنى ان الى ربك الرجعى). ذلك لان رحلة الحياة ستطوى عاجلاً ام آجلاً، وسيجد الانسان نفسه امام الله ليحاسب على كل ما قدمت يداه (يا ايها الانسان انك كادح الى ربك كدحاً فملاقيه). وتؤكد الورقة ان الاسلام يحصن الانسان ضد العبث بمصادر الطبيعة او الاسراف في استغلالها، لانها - كما اسلفنا - شركة عامة يتساوى فيها الناس وليس لواحد أي حق في اهدارها دون فائدة وهذا ما يندرج تحت حماية البيئة والمحافظة عليها وحسن استغلال مواردها والله تعالى يقول (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا انه لا يحب المسرفين)، ونبي الاسلام ينهى عن الاسراف في استخدام الماء ويدعو المسلم للاقتصاد في وضوئه ولو كان يغترف من نهر جار.
ويرسي الاسلام قواعد الرحمة والتكافل والتعاون بين الناس، فالقوي مسئول عن الضعيف، والغني مكلف بأن يرصد من ماله للمحتاج واليتيم والمريض، يستوي في اداء هذا الواجب الانساني الافراد في محيطهم الخاص، او الدول في علاقاتها بغيرها، فالمال هو مال الله في المقام الاول، والانسان مستخلف في هذا المال بأخذه حقه، ويؤدي ما عليه من حق، ويجعله سبيله لمرضاة الله ونوال ثوابه، لا وسيلة للترف وللفساد والاتلاف وغضب الله في الدنيا والآخرة (وانفقوا مما جعلناكم مستخلفين فيه) وقال تعالى (وفي اموالهم حق معلوم للسائل والمحروم). ولذلك نجد الشريعة الاسلامية تنظم هذا الحق فتجعل الزكاة احد فرائض الاسلام، وتفتح باب الصدقات على مصراعيه، وتعطي اولياء الامر ليعملوا على تحقيق التوازن بين فئات المجتمع (خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) ذلك ان اجواء الاختلال الاجتماعي والتعاون الكبير بين شرائح المجتمع الواحد - كما نرى في كثير من البلاد يشكل سبباً للقلق - والعنف، والفوضى.
ويتضح من كل ذلك ان النظرية الاسلامية في التنمية الشاملة تهدف الى الارتقاء بالانسان في جوانبه كلها، وتلبية حاجاته المادية والروحية معاً، والتحكم في الميول الغريزية نحو القوة والثراء بنوازع الايمان، وضوابط الخلق، وتحديد الاهداف السامية للحياة، حتى لا تصبح التنمية بالنسبة للفرد سبباً للجشع والانانية، والفساد، وبالنسبة للدول سبيلاً للتوسع، والسيطرة، والعدوان.فما احوج المؤتمرين في قمة الارض الى استلهام هذا الفهم وهذه المعايير والمفاهيم.
واذا التفتنا الى قضايا المرأة والطفل والاسرة احدى القضايا المطروحة امام المؤتمر نجد ان الاسلام وفر لها حلولا ووضع اطارا واسعا تعالج من خلاله وتحمي من الامراض والتفكك والانهيارالاخلاقي والاجتماعي السائد في العديد من المجتمعات اليوم.
فمن الواضح ان غرس الايمان بالله، ومراقبته تعالى، والالتزام بشرائعه، يضع للفرد والجماعة اهدافاً انسانية سامية، ويشيع الاخلاق والقيم الفاضلة، ويدعم روابط الاسرة، وينمي الشعور بالمسئولية، وكلها وسائل لمنع الاسراف والفساد، والاهدار، بحيث يؤدي المال دوره الايجابي في تطوير المجتمع وانعاشه، ومحاربة الجوع والفقر، والمرض، ومن هنا تظهر اهمية النظرة الاسلامية للانسان، الفرد وحرصها على تربيته والعناية به، واحاطته بمناخ وادع في اسرة مستقرة ومجتمع فاضل، حتى تتجه مواهبه كلها نحو البناء والتعمير، وحراس المجتمع من عوامل الفوضى والانحراف، مما يحتم ان يدخل هذا الجانب الايماني في صلب مشاريع التنمية المستدامة وخصوصاً في مجال التربية والتعليم والتدريب والثقافة العامة، وان تتعاون الدول والمنظمات الشعبية في الحد من مظاهر الفساد والانحراف والتحلل الذي اخذ يشيع في وسائل الترفيه والاعلام، ويحدث تأثيره السلبي على الشباب بصفة خاصة، مما يظهر في شيوع المخدرات والكحوليات، وارتفاع نسبة الجريمة وحوادث الانتحار، وقد يلفت النظر ان هذه الافات الاجتماعية تشيع بشكل واضح في دول متقدمة حققت حداً عالياً من الرفاهية المادية، واسباب الترف والمتعة، دون اعطاء عناية مماثلة لدعم المبادئ الدينية، والقيم الخلقية، تصديقاً لقول الله عز وجل (واذا اردنا ان نهلك قرية امرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً) ومن اجل كل ذلك فان الجماعات والمنظمات الاسلامية المشاركة في المؤتمر، تأمل ان تؤخذ هذه الجوانب بعين الاعتبار في مشاريع التنمية الشاملة، وان تصبح جزءاً من اهتمامات الحكومات والمنظمات الدولية على حد سواء.