ظاهرة التغريب في انتاج بعض الأدباء ليست سوى شهادة اثبات على فقد الهوية.. هوية الانتماء للموروث الثقافي، كما أنها تعني عدم القدرة على الانتخاب السليم للفكر الوافد.. فالثقافة لا يمكن ان تنغلق على نفسها، ولكن خصوصية النفس تقتضي عدم الضعف أمام الآخر الى درجة التلاشي، والتطبع وفقدان الهوية أو بمعنى أكثر دقة.. فقدان الذاكرة الثقافية.
إن التعامل مع الثقافات الأخرى لا يعني رفضها، كما لا يعني التسليم بطغيانها على الموروث الثقافي، لكنه يعني أن يكون هذا التعامل وفق مشروع ثقافي حضاري شامل، لا يتوجس خيفة من الآخر، ولا يضعف أمامه، بل يتعامل معه على نفس المستوى من الندية والوعي، دون شعور بالضعف أو التعالي، فالثقافة هي نتاج العقل البشري وبالتالي فليس من حق فئة أو جماعة أو أمة الادعاء باحتكار الثقافة والاعتقاد بأنها وحدها ودون سواها تملك مقومات الأصالة والنزاهة.
ومن شروط التعامل مع الثقافات الأخرى التأثير والتأثر من خلال الانتخاب الواعي لما ينسجم مع الموروث الثقافي، دون محاولة الاختراق القسري لهذا الموروث من خلال طروحات غير مقنعة وغير مقبولة، ومن هذه الطروحات ما أثبت فشله في بيئته الأصلية التي ظهر فيها. فكيف يجلب الى بيئة أخرى ويفرض عليها بحجج واهية؟
إن التغريب يفقد المبدع هويته، في وقت هو ملزم فيه بالمحافظة على خصوصية، ليقنع الآخرين بالقدرة على التأثير والتأثر دون حساسية أو تعصب ودون شعور بالتعالي أو احساس بالنقص.