يتقد المكان في وجداننا وجدا، ويحتل وجودا ، فالذكريات ترتبط بأماكن حدوثها بل نشتم عند سيلها رائحة المكان وتغزو أحاسيسنا تفصيلاته، فما كنت يوما أغفل أن في الأماكن عرقا نابضا، وصخبا محيطا بالحاضرين ذاك الصخب الذي يقتلعك من الجلسة لتنشغل بمحاورة المكان، تستمع له وتبثه بوجد حميمي خاص لا ينازعك فيه أحد. كيف يمكن لزوايا المكان أن تنبض جدرانها بحرارة التاريخ الذي كان؟ وتسيل مع قهوة الضيافة عواصف الذكريات؟ ويحملك عبق العود إلى عوالم من كانوا هنا وغادروا، لا يجرؤ النسيان على طيهم ولا ازدحام الأحداث بقادر على إقصائهم . أهي الصدفة أم طبيعة في الضعف الإنساني أنني كلما دخلت مباني سفارة الكويت حضرت عايدة بنت سالم العلي الصباح أمام عيني، أما في وجداني فهي لا تغيب أبدا. إني لا أتحدث عن أخت صديقة صدوقة فحسب بل شخصية عامة دبلوماسية متميزة ومحاورة لبقة ومثقفة تسخر كل إمكاناتها وعطاءاتها لخدمة الوطن. أمضت في الرياض سنوات ثلاث عندما كان زوجها الشيخ صباح الخالد الصباح سفيرا للكويت في الرياض، شهد المجتمع خلالها نشاطا للشيخة عايدة متنوع المشارب ثقافيا واجتماعيا، كان اهتمامها بالثقافة ينبعث من إحساس بالمسؤولية تجاه وطنها وعرض قضيته وحينها كانت قضية الأسرى الكويتيين في العراق الهم الأول لكل مسؤول ومواطن، حرصت الشيخة عايدة على أن تلتقي بالمثقفات السعوديات وشهدت السفارة الكويتية في الرياض أمسيتين رائعتين لنشاط ثقافي نسائي إحداهما كانت عن الأسرى والأخرى كانت أمسية شعرية لشاعرة الكويت والعروبة الدكتورة سعاد الصباح، هذا غير اللقاءات التي كانت تعقدها مع المثقفات السعوديات. إن الدور الذي اضطلعت به الشيخة عايدة أسهم في تقريب كثير من وجهات النظر بين المثقفات في البلدين ولا ينفك هذا عن دورها الرائد في النشاط الاجتماعي. لقد استطاعت الشيخة عايدة أن تتسلل إلى القلوب قبل أن تدخل البيوت، ولقد عقدت صداقات وعلاقات متميزة مع فئات متعددة من الأسر في المجتمع السعودي تمثل طبقات اجتماعية وتوجهات فكرية مختلفة.
نعم ما زلت أراها في قلب الرياض؛ تحضر شاخصة دوما، أراها في وجه كل من يحبها وهم كثر، استحضر حلو حديثها، ولباقة مسلكها، وأناقة هيئتها، ودماثة خلقها، أما كرمها فلا أتحدث عنه لأنني أعلم ما لا تريد أن تسمعه؛ فما شهده الجميع ويشهدونه يتحدث بقوة الفعل.
غادرت عايدة الرياض وتركت لنا الشوق الحلو الذي نستعذب خفقه وعواصفه، وننتظر منها الوصل والاتصال ثم نعاود. واليوم نعول كثيرا على خليفتها الشيخة شيخة النواف الصباح حرم السفير الكويتي الحالي الشيخ جابر الدعيج الإبراهيم الصباح إننا ننتظر منها نشاطا ثقافيا هي أهل له وقادرة عليه فسفارة كل بلد يجب أن تكون نافذة ثقافتها على الآخرين ومن جسور التواصل بين الأشقاء، والأنشطة النسائية في السفارة دائما يكون لها دور تعجز عنه قنوات كثيرة.
سنتواصل ونتصل ونلتقي دائما حضورا وغيابا في محبة الله.
