مثل التمويل التنموي الخليجي احدى ابرز السمات الرئيسية لتطور التمويل التنموي العربي خلال العقدين والنصف الماضية ، كما عكس رغبة واهتمام دول الخليج بتخصيص جزء من فوائضها المالية لتمويل مشاريع تنموية طويلة الاجل في الدول المحتاجة. الا ان المستقبل يحمل العديد من التحديات امام استمرار التمويل التنموي الخليجي بنفس الحجم والشكل الذي كان عليه. فعلاوة على المتغيرات السريعة على المستويين الاقليمي والعالمي، فان تراجع العوائد النفطية وتزايد حاجة دول المنطقة للانفاق المحلي يفرض اعادة النظر في سياسات التمويل التنموي الخليجي وتطوير اساليب وسياسات جديدة تتناسب مع المعطيات والتطورات الجديدة. والتحديات لا ترتبط فقط، وكما ذكرنا للتو، باستمرار توفير التمويلات التنموية بنفس القدر من الحجم ، بل وبتطوير اشكال تضمن الاستفادة من هذه التمويلات بصورة اكبر من ذي قبل.
وفيما يخص هذا الجانب تحديدا ، فان المؤسسات والاجهزة القائمة على تقديم التمويل التنموي الخليجي مطالبة بربط تقديم هذا التمويل بسياسات الاصلاح الاقتصادي في الدول المحتاجة.
ولقد مضى العديد من الدول العربية المتلقية لتلك التمويلات بالفعل في تنفيذ برامج اصلاحية واسعة، لذلك فان السعي لجعل هذه التمويلات جزءا
من الامكانات المخطط لها لتنفيذ تلك البرامج سوف يضمن استخدام تلك التمويلات بشكل افضل من جهة ، كما يضمن اعادة تسديدها من جهة اخرى .
ان برامج الاصلاح الاقتصادي تضمن توسيع الطاقة الاستيعابية للدول العربية, وازالة المعوقات والاختناقات امام تدفق الاستثمارات العربية الخليجية الى هذه الدول، كونها تنطوي على تحرير شروط الاستثمار والتصنيع والمبادلات التجارية مع الاخذ في الاعتبار الظروف الاقتصادية الخاصة لكل دولة, وبالتالي فان هذه البرامج ستوفر فرصا استثمارية جيدة لرؤوس الاموال الخليجية.
ومن الضروري كذلك ان تربط التمويلات التنموية الخليجية بجهود تنمية المبادلات التجارية العربية البينية.
ان دول الخليج العربي اصبحت قادرة اليوم على تصدير العشرات من السلع والخدمات ذات الجودة العالية في مختلف الاحتياجات التنموية
العربية, لذلك فان ربط التمويلات التنموية الخليجية بتشجيع تصدير هذه السلع والخدمات ستكون له مزايا اقتصادية عديدة. كذلك فان هذه التمويلات بإمكانها ان تسهم في تشجيع اقامة المشروعات العربية المشتركة التي تضمن تعظيم المزايا النسبية التى تتمتع بها كل دولة عربية، وتوجه لتصنيع منتجات تلبي احتياجات مختلف الدول العربية بما فيها الدول الخليجية، حيث ان هذه الدول تقوم حاليا باستيراد المئات من البضائع التي بامكان الدول العربية الاخرى انتاجها لدى توافر الامكانات المادية والمالية من خلال المشروعات المشتركة.
اما فيما يخص حجم التمويلات التنموية الخليجية المتوافرة ، فان مؤسسات التمويل الخليجية امامها العديد من البدائل والطرق لتطوير وتنويع مصادر التمويل التي تحصل عليها بدلا من الاقتصار على التمويل الحكومي المباشر كما هو حاصل حاليا.
ان مؤسسات التمويل الخليجية ونظرا لامتلاكها قاعدة رأسمالية كبيرة تستطيع القيام بالاقتراض لحسابها، بل وبامكانها ان تعمل مع البنوك لتطوير ادوات تمويل تتلاءم مع طبيعة انشطتها. ان تلك المؤسسات والصناديق ومن خلال اسواق المال سوف تسهم في سد الفجوة القائمة حاليا بين المستثمرين والمدخرين وذلك من خلال القيام ببيع التزاماتها الخاصة الى الجمهور والنشاط في بيع المحافظ الاستثمارية والدخول في شراء حصص من المشروعات الجديدة.