عزيزي رئيس التحرير
قرأت في عدد يوم الاربعاء 1424/10/9هـ في صفحة الرأي مقالا لاستاذنا القدير الكاتب عبدالله الشباط يعجز في مقارعته ومصارحته كبار الكتاب.
المقال يدور حول شركة الأسمنت ومساوئها البيئية والصحية على الاحساء والقاطنين بها.
ورغم ان الكاتب يسكن خارج مدينة الاحساء - اي في مدينة الخبر وفي حي من ارقى احيائها، يعيش زينة الشوارع الفسيحة، وخضرة الطرق الماتعة - الا ان وفاءه وحنينه للأحساء تعدى حدود الانس باهلها وسماع أخبارهم او زيارة الأهل والأرحام والاقرباء الى المنافحة بقلمه السيال الصريح عما تعانيه هذه الواحة الوادعة واهلها من مشكلات حضارية وبيئية وصحية وعمرانية.. فذكرني بالبيت المشهور.
كم منزل في الأرض يألفه الفتى
وحنينه أبدا لأول منزل
واعتقد ان هذا المقال الصريح عن احدى المشكلات التي تواجه هذه المدينة كفيل ببره لبلدته الاولى الاحساء ومدينته المبرز التي فيها ولد وتربى فقد ابر بالاحساء ابرار الابن الوحيد لأمه حيث ان في الاحساء عشرات الكتاب ممن يرمز لهم بالكتاب (الكبار) ومن ذوي المكانة الاجتماعية، وممن لهم قدر رفيع في الوسط العلمي والثقافي، بل ويتبوؤن مناصب حكومية عالية، وأصواتهم مسموعة لدى المسئولين، الا انهم - وللاسف - مازالوا يندثرون بملابس الحياء والسكوت، بل يحرصون كل الحرص على المحاباة والمجاملات بدلا من المطالبة بتطويرها أسوة بالمحافظات الأخرى المحيطة بها.
اما عن مقالة اديبنا الشباط الاخيرة وهو ما دعاني للتعليق والكتابة والذي جاء حديثه فيها عن شركة الأسمنت كما اسلفت، فأقول: لقد اصبحت هذه الشركة عبئا ثقيلا على مدينتنا (حشفا وسوء كيلة) اي لا تسمن ولا تغني من جوع، لا منظر جميل تحتفظ به، ولا خدمات تقدمها للأحساء، ولا لأهلها الطيبين الصابرين، بل هواء كثيف خانق ملوث، ومنظر مقزز لمصانعها وهي تنفث السموم لأهل الاحساء، وادخنه على مرآى ومسمع الغادي والرائح تتصاعد من فوهات مصانعها محملة بالغبار الخانق.
لقد اثار المقال في نفسي ذكر مشكلتين اعتقد ان الاستاذ الشباط لم يسه عنهما لكن ربما كثرة توارد وتزاحم الافكار على ذاكرته انسته ذكرهما، واني اوردهما تكمله لتلك المشكلات:
الاولى: أن من حق أهالي الاحساء ان يستمتعوا باستنشاق الهواء الشمالي العلي، ونسماته الشتائية الرطبة المنعشة، ولكن اني لنا ذلك وهذه الشركة واقعة في شمال مدينة الاحساء تحجب كل نسمة هوائية عليلة، بل لا يستنشقون الا هواء ملوثا خانقا محملا بمبيدات الصدر والأنف والرئتين ورمد العيون، وقرأت فيما قرأته من دراسات وأبحاث أن ذرة من ذرات الأسمنت كفيلة بالفتك بالرئتين شأنها شأن الأسلحة الكيماوية المستخدمة في الحروب، الا ان الفرق بينهما ان الاولى بطيئة الفتك والاخرى سريعة القضاء، والاولى سهلة الحصول والاخرى عسيرة الوصول، والاولى تنشأ في اي مكان (في بلداننا العربية) والاخرى في مخابىء سرية، والاولى يتبناها اشخاص، والاخرى تتبناها دول، والأولى رخيصة الثمن، والثانية غالية وباهظة الثمن.
واذكر في لقائي بالدكتور الذي كان يشرف على علاج والدي - رحمه الله- قبل اثنى عشر عاما - اي بعد حرب الخليج بسنة، قال لي كلاما مفاده: ان والدكم وان كان يعاني من الربو الا ان الهواء والسحب الكثيف الخانقة المحلمة بذرات الاسمنت التي تقذفها مصانع الشركة والواقعة شمال مدينتكم، والهواء الملوث الأسود الخانق المحمل بالغازات الذي كان نتيجة حرق آبار البترول في الكويت عام التسعين كانا سببا في شل حركة الرئتين وتقطيعها داخل الصدر، وكانا سببا في وفاة والدكم - رحمه الله عليه-.
وفي دراسة طبية اجريت على عدد من مرضى الربو في المملكة تبين ان اكثر من يعاني من هذا المرض هم من سكان الأحساء بسبب سموم شركة الأسمنت، والطبائن (الحرائق) في المزارع والنخيل.
الأمر الثاني: ان الاحساء وبالأخص مدينتي المبرز والعيون تشهدان اختناقا عمرانيا وسكانيا يضيقان بهما ذرعا، فالمدينتان بحاجة ماسة الى التوسع، وخاصة من الناحية الشمالية والغربية، فالشمالية تتصدى لها شركة الأسمنت التي تحتل موقعا استراتيجيا، تقف حائلا دون التوسع العمراني اما من الناحية الغربية فتتصدى لهما سكة القطار والمستودعات لبعض الشركات، ولا يدري سكانها كيف يتوسعون، أيبنون لهم طابقا علويا؟
ان الدليل على ما اقول هو ارتفاع اسعار الاراضي بمدينة المبرز بما يزيد على ثلاثمائة الف الى اربعمائة وخمسين الف ريال للأرض المساحة العادية وكأن المبرز حي من الاحياء الدبلوماسية في عاصمة اوربية، والأمر الذي يجعلك تتضجر - ايضا - وتصاب بالغثيان والهذيان ان تلك الأراضي بدون خدمات، اي لا ماء ولا كهرباء، ولا سفلته، ولا صرف صحي، واذا كان أغلب سكانها من ذوي الدخل المحدود فمتى سيتمكن الموظف الجيد الدخل من السكن في بيت يستقر به وهذه هي الحال؟ فهل يشتري الأب الأرض، وابنه يبنيها، وأحفاده يسكنون بها؟ هذا هو الحل الأقرب، اما ان يشتري الأرض بنفسه، ويبنيها ويسكن بها فهذا امر غدا مستحيلا في واقعنا الحاضر.
هذا جزء مما اردت التعليق عليه، والا فان في المقال اشياء اخرى اترك التعليق عليها لاحقا او لآخرين ممن هم اقدر مني على الكتابة وبالاخص ما يتعلق بأمور المجاري والصرف الصحي الذي تعوم عليه اراضيها.
اخيرا.. مازالت عاتبا على اهل الاحساء، وبالاخص وجهاء مدينة المبرز والعيون، واهالي حي الراشدية، ومحاسن الحكومية في عقد لقاء سريع لتكريم هذا العلم البارز المدافع عن بلده الاحساء وعن مدينتي المبرز والعيون تكريما يليق وهذا النفس الصريح.
أخيرا: لك مني استاذي الكبير عبدالله الشباط اطيب تحية.. ودمت للأحساء ذخرا. خالد بن قاسم الجريان الأحساء