اكد سفير خادم الحرمين الشريفين لدى بريطانيا صاحب السمو الملكي الامير تركي الفيصل ان من الصعوبة التحدث عن السلام والامن العالميين دون التطرق للنزاع في الشرق الاوسط.وقال سمو الامير تركي ليس من المهم الآن تحديد من هو المخطئ ومن هو المصيب ومن هو المعتدى ومن هو الضحية في هذا النزاع الملئ بالآلام والمعاناة لان لكل منا قناعاته .. ولانه ليس ضروريا ان نتفق في كل التفاصيل .. ولكن المهم ان تكون لنا رؤية مشتركة (عرب ومسلمون وامريكيون واسرائيلون والمجتمع الدولي) وان نصل الى فهم مشترك لمعالجة هذا النزاع.وشدد سموه خلال كلمة له امس في ندوة التهديدات العالمية والتعامل معها التي نظمها المعهد الملكي البريطاني للخدمات المشتركة في لندن على ان معالجة النزاع العربي الاسرائيلي سينزع فتيل القنبلة الزمنية التي لا تهدد فقط حياة الناس الذين يعيشون في المنطقة ولكن حياة حتى الذين يعيشون خارجها لان النزاع الفلسطينى الاسرائيلى يغذى الغضب والامتعاض والشعور بالاذلال عند العرب والمسلمين.
واوضح سموه ان الفلسطينيين ظلوا يعانون ويتعرضون للاذلال والاهمال وعدم العدالة وان هذه العوامل تمثل تربة خصبة لنمو وانتشار الارهاب وان التركيز على هذه النزاع لا يلغى اهمية قضايا اخرى نعيشها اليوم مثل قضيتى كشمير والشيشان على سبيل المثال.
واضاف ان الارهاب تخطى كل هذه القضايا واصبح موضوع اليوم ولكن يجب ان لا ننسى ان الارهاب هو نتاج لمثل هذه العوامل التي تمثل عدم العدالة وان الارهاب ليس جسما غريبا أتى من خارج الارض التي نعيش عليها ولذا يجب علينا ان نربط بين كل هذه القضايا وان لا نتجاهل ايا منها لمصلحة اخرى وان الحكمة تتطلب ان نتعامل معها جميعا بالعناية والرؤية الثاقبة وانا على اقتناع بان الارهاب يجب هزيمته مهما كان الثمن ولكى يحدث ذلك يجب النظر اليها من افق واسع لان هناك الذين يبشرون بالارهاب وينفذون ولكن هناك ايضا اولئك الذين يلهمون الارهاب ويجعلون له المسببات فهناك الذين يستغلون معاناة الناس للترويج للارهاب ويستعملون الدين كغطاء لاهدافهم لتسلق السلم السياسى ويجمعون باسم الدين الاموال لتحقيق طموحاتهم.
واشار الى ان الازمة الفلسطينية في الماضي كانت مصدرا للتوتر والنزاع بين القوتين العظميين الاتحاد السوفيتى سابقا والولايات المتحدة داخل وخارج الامم المتحدة وان ذلك ادى الى تسابق حاد في التسلح انتهى بانعقاد مؤتمر مدريد للسلام في عام 1991م الا ان ادخال اسرائيل للاسلحة النووية في المنطقة قلل من شأن الامن والسلام في الشرق الاوسط والمنطق يتطلب انه اذا كان لاسرائيل السلاح النووي .. فلماذا لا يكون للاخرين؟ وبالتالي اصبحت المنطقة أخطر مما كانت عليه في الماضى وان هذا التسلح لا يصعد فقط المخاوف ولكنه يقضى ايضا على الاموال التي تحتاجها بلدان المنطقة بشدة للتنمية وبناء مجتمعات حرة ومبنية على العدالة والمساواة كما تمنح بن لادن واشباهه اسبابا و مسببات لنشر الارهاب والعنف.
وشدد على ان جعل الشرق الاوسط منطقة خالية من الاسلحة النووية واسلحة الدمار الشامل الاخرى هو ما تسعى المملكة العربية السعودية لتحقيقه وان ازمة الشرق الاوسط قضية لا يمكن تجاهلها او تركها خلفنا لانها ازمة تعيش معنا وتعقد حياتنا وقد تقوده الى الحروب كما فعلت في الماضى.
وقال سمو الامير تركي الفيصل يجب ايضا ان نضيف العراق كقضية تهدد الامن والاستقرار في المنطقة لانه عندما قامت الولايات المتحدة وبريطانيا بمهاجمة العراق كان الوعد بتحقيق السلام والاستقرار فيه مهم جدا ولكن وللاسف ما زال ذلك الوعد يجب تحقيقه وان المجتمع الدولى لا يمكنه ان يرى العراق يستمر كبلد غير مستقر وغير امن ولذا علينا ان نقوم بالعمل الصحيح وان على الشعب العراقى ان يقوم بدور اساسى في تحقيق ذلك.
واكد اهمية ان يترك للشعب العراقى تحديد نظام الحكم الذى يختاره وبالاسلوب الذى يناسبه..مفيدا سموه ان المملكة بدأت بعد اسابيع من انتهاء الحرب في تقديم المساعدات الانسانية للعراق من مواد غذائية وادوية وخيام للسكن وغيرها كما ان المملكة التزمت في الاسبوع الماضى بتقديم بليون دولار مساهمة منها في عملية اعادة بناء العراق وانها تجرى محادثات مع ادارة الرئيس بوش التي تقود التحالف في العراق حول افضل السبل لاستغلال هذه الاموال في مساعدة الشعب العراقى ورفع المعاناة عنه.
وقال انه ومن اجل هزيمة الارهاب فانه لا يمكن تجاهل كل القضايا التي سبق ذكرها وذلك لان الارهاب وكلما فشلنا في هذه المهمة يجد الفرصة لتجنيد عناصر جديدة وان المملكة العربية السعودية تقف دوما الى جانب الحلول العادلة والمنصفة ويمكن ان تقدم كل ما يتطلبه الوضع من خلال وضعها المميز في العالمين العربى والاسلامى او ما يمكن ان توفره مصادرها لتهدئة الاوضاع في هذه البؤر الساخنة وان المملكة تعى جيدا ان الارهاب هو تهديد يجب مواجهته مهما كان الثمن وان المجتمع الدولى من الجانب الاخر يجب ان يعى ان الارهاب يختطف الاسباب ويمتطى صهوة عدم العدالة وبمعالجة هذه القضايا وازالة عدم العدالة في التعامل فانه يمكن ان نحقق السلام والامن وان نستعيد انسانيتنا.
واضاف ان ذلك يقودنا الى سؤال مهم وهو لماذا فشل المجتمع الدولى في معالجة مثل القضية الفلسطينية وقضية كشمير بالرغم من العديد من القرارات التي اتخذتها الامم المتحدة ولماذا عالج المجتمع الدولى بنجاح قضايا مماثلة مثل قضيتى تيمور الشرقية والبوسنة وفشل في القيام بذلك في مناطق مختلفة في العالم ولماذا تم استعمال القوة في معالجة ازمات في مناطق معينة ولم يتم استعمالها في مناطق اخرى وكل هذه الاسئلة تحتاج الى اجابات امينة ومخلصة من اجل المجتمع الدولى بصورة عامة.
وأكد سمو الامير تركي الفيصل ان عملية الاصلاح في المملكة بدأت قبل هجمات 11 سبتمبر 2001م وانها ليست نتيجة لضغوط من الولايات المتحدة او بريطانيا او روسيا او اى بلد اخر بالرغم من ان المملكة تسمع الى اى نصح من الاصدقاء.
واوضح ان المملكة وقبل 80 عاما كانت مجموعات متفرقة من قبائل متنافرة تخيم على علاقاتها الحروب والنهب وان توحيد هذه القبائل في دولة تحت حكومة مركزية ودستورية كانت بداية هذه الاصلاحات التي استمرت طيلة تاريخ المملكة كما ان السنوات العشر الماضية شهدت اصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية عديدة بينها وضع الانظمة الاساسية بصورة مكتوبة وايضا اعادة تأسيس مجلس الشورى وتعريف حقوق المواطن والمواطنة وتبنت المملكة نظام المحاكم العلنية وكذلك في حق المتهم ان يكون له محام قانونى لمساعدته قبل خمس سنوات.
وبين ان حكومة المملكة في حربها ضد الارهاب تعمل على تجريده من استغلال الاسلام وذلك من خلال بث الوعى وسط الشباب والتأكيد على ان المسلمين امة وسط ترفض التطرف واساليب العنف وايضا من خلال تقديم الوظائف ومعالجة الصعوبات الاقتصادية للمواطنين حتى تجرد الارهاب من كل ادواته واساليب جذبه للمواطنين.
واكد سموه انه لا تناقض بين الديمقراطية والاسلام وان حكم الشورى واختيار الشعب لقائد وايضا البيعة اساس في الاسلام وعدد بعض صعوبات الديمقراطية حتى في بريطانيا التي مارستها خلال قرون من الزمن وكذلك في الولايات المتحدة..مشيرا الى ان الديمقراطية حتى الان هى الاسلوب الافضل لاختيار الناس لحكومتهم في العديد من بلدان العالم الا ان الديمقراطية هى اسلوب لاختيار الحكومة وليست غاية نهائية.