لقد تناقلت وسائل الاعلام الأمريكية والعربية عند اقتراب اللقاء المرتقب لسفير المملكة في واشنطن مع الرئيس الأمريكي وكذلك الرحلات المكوكية التي تبعث بها امريكا للشرق الأوسط لشرح المواقف المتبادلة في اطار الجهود المتزنة والمقبولة التي تقوم بها المملكة نيابة عن العرب في اذابة المعطيات التي أفرزتها احداث الحادي عشر من سبتمبر استغلال الآلة الاعلامية والصهيونية لذلك. وكان من ضمن ما صرح به الرئيس الأمريكي كما جاء في جريدة عكاظ لعدد يوم الثلاثاء 18/6/1423هـ بأن "فهم العرب لأمريكا خاطىء" وقد تكون هذه العبارة اذا أخذناها على اعتبار أنها فرضية بأنها مقبولة ولكن لا ينبغي هنا أن نطلق صفة التعميم ولا ننكر وجود فئة قد تكون كبيرة لا يستهان بها لا تفهم امريكا او حتى لا تريد ان تفهمنا بسبب بسيط وهو عدم تقديم امريكا لتبريرات عن سياساتها في الشرق الأوسط ومنها التأييد المطلق لاسرائيل.
من جانب آخر اذا ربطنا هذه الفرضية بنظرية المؤامرة المطلقة التي يؤمن بها الكثير من العامة خاصة من البسطاء وذلك بعزو كل ما يدور في العالم لأمريكا على اعتبار أنها قوة عظمى لها سمة التحكم في مجريات الأمور العالمية فلو حصل انقلاب في بلد ما عزوناه لأمريكا واذا اغتيلت شخصية كذلك وهكذا دواليك. أو أعتقد بأن امريكا نفسها من خلال مخابراتها المركزية هي التي روجت لذلك لتوهم العالم أجمع بأن لها اليد الطولى وبإمكانها اختراق كافة المجتمعات. ان الترويج لهذه الفكرة أوقع امريكا نفسها في مآزق اذ جلبت لها كرها من معظم شعوب العالم من ناحية ومن ناحية اخرى عززت مفهوم نظرية المؤامرة المطلقة إذ من خلال هذا التعزيز أساء الكثير من الشعوب العربية فهم حقيقة الشعوب الأمريكية وبدأوا بالخلط بين ما تقوم به الحكومات الأمريكية والشعب الأمريكي الذي يدفع ضريبة السياسات غير المتوازنة لهذه الحكومات.
واذا كان فهم العرب لأمريكا (خاطىء) كما جاء به الرئيس الأمريكي فلماذا لا تحاول امريكا ان تصحح هذا الفهم وبدلا من أن تشن الصحافة الأمريكية حملاتها المسعورة والمصهينة على المملكة كان من الأجدى ان توصل رسالتها للعرب وتوضح ماهية امريكا وسياساتها حتى نفهم نحن كعرب امريكا. وعجبي من الأساليب التي تتخذها امريكا لإفهام العرب من هي امريكا سواء بالحرب الاعلامية أو العسكرية خاصة في هذا العصر المتعولم الذي تقوده امريكا نفسها لتصنع منه حوارا حضاريا بين الأمم للإنصهار فيما بينها مع الاحتفاظ بالقيمية الأممية.
ففي وقت تحاول ان تزيد الأمم من اتصالاتها وتعقد المؤتمرات واللقاءات لذلك نجد أمريكا تتصرف قطبا منفردا من العالم والعالم اجمع قطب آخر.. أمريكا بالطبع تعي انها لا تستطيع ان تقضي على ما يقلق العالم بمفردها سواء من ارهاب أو مخدرات أو غسيل أموال أو تجارة رقيق. وهي بحاجة أكثر لمساعدة الآخر فالعولمة لم تأت إلا لكي يقضي العالم على هذه الظواهر السلبية.
وأنا أكتب محللا فرضية الرئيس بوش "فهم العرب لأمريكا خاطىء" لأقول بأن الفرضية بالامكان ان تثبت صحتها ولكن ما هي اسباب ذلك. ان من الأسباب ان امريكا طيلة فترة علاقاتها مع الحكومات العربية لم تكلف نفسها لتصل الى الرأي العام العربي بل اقتصرت هذه العلاقة بين الحكومات لتقف الشعوب موقفا سلبيا لا يفهم كل منها الآخر. ولعل هذه الزلة خطأ مشترك في العلاقات العربية الأمريكية، اذا أمريكا مطالبة ان تعيد سياساتها تجاه العرب وتحاول أن تبرر للشعوب العربية سياساتها وتأخذ جانب الاعتدال في هذه السياسة لكي تتمكن من ايصال رسالتها الى هذه الشعوب وبالتالي يأخذ الفهم العربي مكانه من أمريكا.
ولكن دعونا نأخذ الجانب الآخر من هذه الفرضية التي لم يذكرها الرئيس الأمريكي ونطرحها هنا عبر هذه المقالة لنثبت صحتها أو رفضها من خلال النقد التحليلي لنقول بأن "فهم امريكا للعرب خاطىء" وحتى لا أتهم بأنني ادافع عن جانب ضد الآخر سأكون موضوعيا لأقول بأن امريكا عبرعقود من علاقاتها مع العرب لم تتمكن من فهم العقلية العربية لأنها كما ذكرت اساسا لم تحاول أن تصل الى هذه العقلية اذ كانت تجد مصالحها عند حد الحكومات فبالتالي لم تكن تجهد نفسها اكثر من ذلك وعندما جاءت احداث الحادي عشر من سبتمبر ونتيجة للقصور الفهمي لطبيعة المملكة ومجتمعاتها جاءت هذه الحملات المنظمة من خلفية جاهلة عن المملكة وتركيبتها الاجتماعية اذ اضحوا يعتقدون بأن النظام التعليمي ينادي بالارهاب وان الشعب السعودي بأكمله يكره امريكا وغيرها من التخرصات التي تدل على ضعف التقارير الصادرة وإلا أين كل ذلك على مدى ستين عاما أما علموا بكل ذلك إلا بعد أحداث سبتمبر ولكن نعول كثيرا على صناع ومتخذي القرار الأمريكان كون قلة تقوم بعمل ارهابي ان ثبت ذلك فعلا فلا ينبغي ان نأخذ شعبا بأكمله بجريرة فئة ضلت الطريق والا لأصبح كل الأمريكان ارهابيون بعد تفجير أوكلاهوما.
أمريكا بحاجة الى فهم العقل العربي في الوقت الراهن أكثر من أي وقت مضى فهي ليست بحاجة الى التهديد بالاعلام تارة وبالسلاح تارة أخرى فهذا لن يزيدها إلا ارهاقا وارهابا في عالم يعيش أوضاعا مأساوية لن توجد لهذه الأوضاع حلولا إلا بالتكامل الدولي فحسب.