بودنا ان نعرف ما هو مفهوم مسئولينا لاهم اهدافهم على الاطلاق "رفع مستوى المعيشة للمواطن" حين يطلقونه في تصريحاتهم؟
للاجابة على هذا السؤال نورد مثالا جاء عرضا في تفاصيل رواية راكبة الطائرة المصرية المنكوبة التي سقطت في البحر الاحمر قبل عدة ايام, هذه الراكبة هي فرنسية من اصل مصري وتعمل حارسة عمارة في باريس او (بوابة) حسب ما كتبته الصحف المصرية وام لخمسة اطفال رثتهم باريس وتعاطفت مع وضعهم, جاءت كي (تصيف) في شرم الشيخ للعام الثاني على التوالي, فقد اعتادت المرحومة (التصييف) سنويا خارج باريس لاخذ قسط من الراحة من عملها المضني وفقا لقول شقيقها الذي كان يتنظرها في مطار شارل ديجول!!
انها قصة تختصر ما يمكن ان يقال في عشرات الندوات والمؤتمرات الاقتصادية, وتعطي صورة عن مفهومهم هناك عن "المستوى", ذلك السراب الذي لا نعرف له رأسا من قدم في تصريحات مسئولينا, انها حكاية توضح معايير للحد الادنى للمستوى المعيشي لا للحد الادنى للاجور فحسب رغم تداخل وارتباط الاثنين, فهاهي امرأة وعربية الاصل وتعمل بوابة وام لخمسة اطفال في دولة اجنبية مكنها دخلها ان تصيف سنويا (كيف سيكون حالها لو بقيت في وطنها الام؟) لك الله ياعم (عصمان) اقصد عثمان.
مثال آخر لسائق مصري يعمل في احدى السفارات العربية في جنيف حين حصل على الجنسية السويسرية, اكتشفت السلطات السويسرية انه يأخذ اجرا لا يمكن ان يوفر له المعايير التي حددتها التشريعات السويسرية والتي يفترض ان تليق بالمستوى المعيشي للمواطن السويسري (كمثال) تشترط تلك المعاييرغرفة خاصة لكل ابن او ابنة في سكن الاسرة, وتقضي التشريعات السويسرية بان الدولة مسئولة عن تمتع المواطن بتلك المعايير وحتى لو ادى الامر ان دفع الفارق في الاجر ليرتفع مستوى الدخل, وقد تمكن هذا السواق المصري من تغيير سكنه وتحسين مستوى معيشته بالمبلغ الاضافي الذي حددته له السلطات!
هاتان الحكايتان لعرب احدهما بواب بل بوابة! والآخر سائق ينتميان لدولتين اجنبيتين حكومتاهما وضعتا معايير محددة للحد الادنى لمستوى معيشي اهلهما وهما اللذان لا يملكان مهارات وخبرات او شهادات الى العيش بمستوى لا يتحصل عليه سوى القلة في عالمنا العربي من الذين يملكون شهادات ومهارات عالية, تبين لنا ان مسالة (مستوى المعيشة) ليست رهنا بمقدار الثروات الطبيعية التي تملكها هذه الدولة او تلك, ولا بظروف هذه الدولة او تلك, ولا في التصريحات الرنانة لتلك الحكومة وبيانات مسئوليها, انما في مفهومها لكيفية ادارة تلك الثروات او ادارتها لاقتصاد الدولة بشكل عام مترجما باهداف واستراتيجية تحقق بالتالي معايير محددة سلفا للحياة الكريمة يلتزم البرنامج الذي تقدمه الحكومة بتفعيلها حتى تكون لها ميادين امتحان لمصداقية شعاراتها, ومن يفشل في تحقيق مهامه يجلس في البيت ويفسح المجال لغيره, فما هي معاييركم اطال الله في اعماركم بشكل محدد "لمستوى المعيشة للمواطن العربي"؟
كاتبة بحرينية *