قال طارق عزيز نائب رئيس الوزراء العراقي امس ان مسألة عودة مفتشي الاسلحة التابعين للامم المتحدة لبلاده لا تزال قيد البحث. وقال نائب رئيس الوزراء العراقي للصحفيين حين سئل عما اذا كان العراق مستعدا للسماح بعودة المفتشين الذين غادروا البلاد عام 1998 الامر لايزال قيد البحث .
ويمثل عزيز العراق في قمة الارض المنعقدة في جنوب افريقيا.
وحين سئل عما اذا كان سيجري محادثات حول مسألة المفتشين مع كوفي عنان الامين العام للامم المتحدة في جوهانسبرج قال: لست واثقا. لكن قد احيي صديقا قديما. وابلغ عزيز السي.ان.ان. امس الاول الاحد ان عودة المفتشين بقيادة كبير المفتشين هانز بليكس غير واردة.
من ناحية اخرى اعلن الزعيم الكردي العراقي جلال طالباني امس ان الولايات المتحدة يمكن ان تتدخل عسكريا في العراق مطلع العام 2003 المقبل.
واضاف زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني في تصريح الى شبكة التلفزيون التركية ان تي في ان الولايات المتحدة باتت مقتنعة اكثر فاكثر بتوجيه ضربة الى العراق لقلب نظام الرئيس العراقي صدام حسين وان عملية من هذا النوع قد تجري في الاشهر الاولى من العام 2003.
ويزور طالباني حاليا العاصمة التركية للالتقاء بعدد من المسؤولين في وزارة الخارجية التركية.
واكد طالباني انه لا يوجد حاليا وجود عسكري امريكي في شمال العراق الذي خرج عن سيطرة السلطة المركزية في بغداد منذ عام 1991.
الا انه شدد على ان مستشارين امريكيين قد يعودون الى المنطقة في المستقبـل من دون تقديم ايضاحات اضافية.
وكان وزراء خارجية الدول الاوروبية والذين عقدوا سلسلة من الاجتماعات نهاية شهر اغسطس في منتجع السنيور شمال كوبنهاجن قد اخفقوا في التوصل الى صياغة موقف جماعي ومحدد وواضح بشأن التعاطي مع الملف العراقي. وبدت الدول الاوروبية مجددا منقسمة بين فريق متحفظ عن تأييد أية ضربة عسكرية للعراق وفريق اخر اكثر قبولا بالموقف الامريكي المعلن.
وقد التزم الاتحاد الاوروبي ومن اجل الحفاظ على وحدة صف ظاهرية بموقف الحد الادنى والممكن في التعامل مع الازمة الحالية بين الولايات المتحدة والعراق ويتمثل في توجيه رسالة شديدة اللهجة للسلطات العراقية تطالب بقبول فوري وغير مشروط بعودة فريق المفتشين لكن دون الوصول الى درجة اطلاق انذار فعلى لبغداد.
ومن اجل ترضية الولايات المتحدة طالب رؤساء الديبلوماسية الاوروبيون من جهة أخرى الامين العام للامم المتحدة بالتحرك الفعلي لادارة الازمة و اجبار العراق على القبول بعودة المفتشين.
ويتضح ان المصاعب التي تعترض التنسيق الاوروبي في الملف العراقي هي التي دفعت الاوربيين الى البحث هذه المرة عن غطاء من الامم المتحدة وتمكن مجلس الامن من استصدار قرار جدي يسمح باللجوء الى القوة ضد العراق وعدم ترك واشنطن تتدخل بدون هذا الغطاء لاسباب استراتيجية وليس لدوافع تتعلق بمعارضة الحرب.
وتخفي التصريحات والمواقف الاوروبية المتناقضة و المتضاربة جدلا محموما داخل أوروبا حاليا وان النتيجة التي سيتمخض عنها هذا الجدل ستقرر ليس مصير العمل العسكري المرتقب فحسب بل نظام ادارة العلاقات الدولية القائم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وتتزعم فرنسا التي تشك في نوايا الولايات المتحدة توظيف الازمة العراقية لتغيير خريطة الشرق الاوسط ضمن النظرة الامريكية الجديدة المعروفة (بالتحرك الوقائي) لاحتواء المخاطر الخارجية وجعل العراق نموذجا أوليا لهذا التحرك الوقائي الذي اذا ما نفذ ضد بغداد فسيصبح قاعدة التعامل الامريكية في الخارج ويسمح لامريكا تحت ذريعة احتواء مصادر العنف او احتواء مخاطر أسلحة الدمار الشامل تغييرالانظمة التي لا تتماشي مع مصالحها. وقد ظهر هذا الجدل بشكل واضح خلال اجتماعات وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي ومن المتوقع أن يتواصل حتى تحدد المجموعة الدولية اذا كان يحق للولايات المتحدة ان تتحرك على الساحة الدولية بشكل أحادي الجانب اوعليها ان تحصل مسبقا على تأييد حلفائها ومباركة الامم المتحدة.
ويأتي التركيز الاوروبي على دور الامين العام للامم المتحدة من هذا المنطلق و لاعطاء أوروبا تبريرا بدعم اية ضربة عسكرية يجري التخطيط لها حاليا و تجنب أن يجد الاتحاد الاوروبي نفسه خارج اللعبة الجيوسياسية القادمة.
ولا يوجد تفهم حكومي أوروبي للموقف العراقي ولكن الخلاف ينصب حاليا بشأن كيفية تغيير الوضع في العراق وبشكل يمنع انفراد واشنطن بذلك اولا وثانيا الحصول على ثلاثة ضمانات أخرى رئيسية ومنها التأكد من وجود أسلحة الدمار الشامل محل الجدل الحالي من جهة والتأكد من أنها ستكون الهدف الفعلي لاي حملة عسكرية من جهة أخرى والتأكيد على وحدة العراق وسيادته الترابيةالى جانب ادارة جيدة للاوضاع الانسانية والمعيشية للسكان.
كما أن أوروبا تخشى الى جانب ذلك من تصدع التحالف القائم بشأن ادارة أزمة الارهاب اذا ما تم ضرب العراق حاليا وعدم التركيز على الملف الفلسطيني ووقوع الاقتصاد الاوروبي في دوامة خطيرة من التقلص والانكماش نتيجة الخسائر الهائلة التي ستنجم عن الحرب في مجال الطاقة وارتفاع أسعار المحروقات وتراجع وتيرة المبادلات وانحسار سوق العمل و لا تخدم هذه العوامل النوايا الامريكية المعلنة حاليا.
وبالرغم من الهامش المحدود للاتحاد الاوروبي في ادارة هذه الازمة فان أوروبا تعتمد حاليا على عناصر محددة لتأخير الضربة الامريكية او المشاركة في أدارتها على الاقل وعند الضرورة.
وتبدو المانيا الحليف القوى والتقليدي للولايات المتحدة المعارض الرئيسي للحرب في اطار الامم المتحدة او خارجها وتهدد بسحب قواتها من التحالف ولكن لدوافع انتخابية داخلية بالدرجة الاولى وبسبب عدم وجود خلافات بين المعارضة والحكومة والرأي العام في المانيا حاليا لفرض الحرب مما يجعل الائتلاف الحاكم في برلين في موقف جيد على الصعيد السياسي الداخلي. اما فرنسا والتي أبدت خلال اجتماعات وزراء الخارجية الاوروبيين معارضة قوية بدورها لضرب العراق فانها تتحرك لدوافع خاصة أيضا حيث انها المرة الاولى منذ وصوله لسدة الحكم في باريس فان الرئيس الفرنسي جاك شيراك (الديغولي النزعة) يجد نفسه طليق اليدين وبدون مشاركة اليسار الاشتراكي في ادارة الديبلوماسية الفرنسية وهو يريد أن يبذل قصارى جهده لتأخير هيمنة الولايات المتحدة على مجمل الشئون الدولية.
ويفسر الموقفان الالماني والفرنسي امتناع أوروبا حتى عن توجيه تحذير رسمي للعراق والتعويل المعلن على الامم المتحدة حيث ان هذا الخيار سيتيح لالمانيا وفرنسا وفي حالة استصدار مجلس الامن قرارا ضد العراق من تسويق ذلك لدى الرأي العام وعدم الظهور بمظهر التابع للولايات المتحدة بالنسبة لالمانيا او العاجز بالنسبة لفرنسا أمام الولايات المتحدة.
وأعلن وزير الخارجية الفرنسية دومنيك ديفلبان صراحة خلال اجتماعات السنيور الاوروبية الاخيرة انه يحق لمجلس الامن الدولي دراسة كافة الخيارات الممكنة بما فيها العسكرية ضد العراق.. اما وزير الخارجية الالمانية يوشكا فيشر والذي ينتمي الى حزب الخضر الالماني (أنصار البيئة) فانه كان المعارض الرئيس لتوجيه انذار للعراق في الفترة الحالية وأوضح أن توجيه انذار وعدم استجابة العراق له يعني التوجه للحرب وهو امر مرفوض00 وشدد على الطابع الخطير لاي عمل عسكري ضد بغداد وما يحمله من عواقب وخيمة في المنطقة. وتنقسم الدول الاوروبية حاليا في تعاملها مع الملف العراقي بين بريطانيا المؤيدة لتوجيه ضربة عسكرية في حالة عدم استجابة سريعة للعراق بالقبول بعودة المفتشين وفرنسا التي تقبل بتوجيه ضربة اذا ما قررها مجلس الامن وهو نفس موقف خافير سولانا منسق السياسة الخارجية الاوروبية مع تركيز هذا الاخير المستمر على ضرورة الحفاظ على التحالف القائم ضد الارهاب وعدم الحاق صدع به واخيرا المانيا وبلجيكا والدول المحايدة (النمسا والسويد وفنلندا) الرافضة للحرب حتى في اطار الامم المتحدة.