إيفادا دادي، البدوي الصحراوي فارع القامة يعلق السيف على جانبه ويمسك بالمرأة ويقف وقفة العز والتصميم لخوض الامتحان القديم لشعبه الصحراوي.
لقد استكمل استعداده للمناسبة اذ دهن جلده بحليب بقرة بيضاء وابرز عينيه الواسعتين بالكحل الاسود وعزز خطوط شفتيه بمسحوق عظام محمصة لطائر ايغرت.
هنا على الحافة الجنوبية للصحراء، الشبان هم الذين يجرون الماكياج ويغنون ويسرحون ويرقصون في مباريات الجمال.
وهنا النساء - اثنتان او ثلاث من اجمل نساء القرية او القبيلة، هن اللاتي يقمن بالتحكيم ويقدمن المكافأة لاحقا: ايديهن للزواج من الفائزين، ذلك لأن الشجاعة والدماغ لا مكان لهما لدى قبيلة وودابي التي يظل افرادها البالغ عددهم (125) الف نسمة في حركة انتقال دائم بين الواحة والاخرى.
ان الجمال وحده المهم هنا، وخاصة جمال الذكور، ومباريات الجمال تقام في ظل اشجار النخيل في مختلف اصقاع الصحراء في مثل هذا الوقت من السنة اثر هطول الامطار والاستغناء المؤقت عن البحث الدائم عن الكالأ وعلف الأبقار.
في عالم الذئاب الذي يتنافس فيه الرجال على النفوذ والمكانة بقوة اسلحتهم او حجم سياراتهم ذات الدفع الرباعي، قرر الوودابي المسالمون ان الامر لا يحتاج الا الى اكثر من مباراة جمال.
ويقول دري تشافو، وهو فائز سابق في مباراة جمال، وابن رجل اشتهر اكثر منه بجماله:(إذا كنت انا اجمل الرجال ستأتي كثيرات لطلب الزواج مني، اذا كن سمينات، واذا لم يكن جميلات لن تجرؤ النساء على الاقتراب).
لا يحمل افراد قبيلة الوودابي معهم في ترحالهم وراء قطعان الابقار اكثر مما يحتاج اليه الرعاة من ادوام وحصر للنوم، والرجال بصورة خاصة يحرصون على حمل مرايا الجيب الصغيرة التي تقدم لهم بعد فترة قصيرة من ولادتهم.
ويقول بركا غورسا الذي لايزال يطمح بالفوز في اول مباراة له، لكي يفوز بعروس ايضا رغم انه اصبح في الثلاثين من عمره ان الرجال السمان لا يأتون الى مباريات الجمال (بل يذهبون للاختباء في الريف).
ويؤكد نجمنا ايفاد دادي ان (الرجل ذا البطن الكبير لا يمكن ان يفوز بالمسابقة).
وتختار لجنة التحكيم النسائية الفائزين الثلاثة اما باشارة من الرأس او بالتربيت على الكتف، وينسل الخاسرون للعودة الى الغابات او يحاولون الفوز بعروس بالطريقة القديمة - تقديم هدية مؤلفة من الابقار.
وقد تمضى عائلات الشبان المتنافسين سنة كاملة للبحث عن (بذلات) ابنائهم المثقلة بالتطريز واختيار الاقراط الثقيلة والصفوف غير المنتهية من القلادات والاساور.
واحيانا يسافر الشبان مسافة لعدة ايام للعثور على جبل فيه الطين المناسب والعشبة المناسبة لصنع الوجه الاحمر - الاصفر.
غير ان السحر هو الذي يجعل مسابقة الجمال هنا حماسية مثل اي مسابقة جمال نسائية تقام في اطلنتيك سيتي او اي مكان آخر في العالم، فالرجال يعلقون على اجسامهم التعاويذ والطلاسم - لاجتذاب انظار الفتيات - او لتخريب فرص فوز احد الخصوم.
ليلة المباراة تتردد انغام الغيتار الكهربائي التي يعزفها الطوارق في ارجاء الصحراء فيما شبان الوودابي يغرقون في حلم الفوز بالمباراة.
ومع حلول النهار، يكون الشبان قد قدموا كل ما عندهم من رقص وتوزيع ابتسامات عصبية وتوجيه نظرات جانبية لاختبار ردود الفعل، وعندما يتفرقون في الصحراء - يختفي الفائزون وأعضاء لجنة التحكيم - عن الأنظار.
