رؤية

الاختصار، والتكثيف في كتابة الشعر.. موهبة مركبة فوق موهبة الشاعرية.. لذلك لا يتمتع بها الا القليل القليل من شعراء العربية. فبعضهم يملأ لك الصفحات نظما ـ ان كنت قارئا ـ ويأخذ من وقتك الكثير ـ ان كنت مستمعا ـ واذا بحثت عن عدد الدرر بين حصبائه وجدتها ـ ان وجدتها ـ قليلة لا تصل الى عدد اصابع اليد الواحدة وقد لا يكون ـ في هذا القليل ـ شاعرا بل ناظم اجاد التعبير واقتناص المفردة المعبرة. @ تنبه الى هذا التوهان والاسهاب المفرط بعض الشعراء وحاولوا التحرر من قيده ونجحوا.. ولقد كان احمد الصافي النجفي احد رموز هذا الفن "النظم المركز" في مقطوعات قصيرة لا تصل الى سبعة ابيات. ومع ذلك يصل الى الهدف الذي يريد فدواوينه "اشعة ملونة" و"حصاد السجن" و"هواجس" وغيرها مليئة بهذه البرقيات الشعرية النظمية التي يرسلها للمتلقي في كثفافة وتركيز ،اسمعه يقول عن عصرنا الذي رحل عنه وتركه ولم يدر ان هذا الموضوع قد استشرى واصبح واقعا مرا: ==1== قد قيل هذا العصر عصر تقدم ==0== ==0== قلت التقدم فيه عين تأخر كانت بلادتنا بصوت خافت ==0== ==0== فغدت تذاع بألف الف مكبر ==2== الا ترى انه قد تحدث لك عن واقع الامة والفضائيات التي نشرت غسيلنا الفكري والادبي والاجتماعي والسياسي امام اعين سكان الكرة الارضية جمعاء؟ ومن فلسفات احمد الصافي الهزلية الساخرة انه يرى ان للقبح فضلا على الحسن والجمال، فهو يؤطر الجمال ويجعلك تشعر بوجوده اسمعه يقول: ==1== جعل الورد بين شوك لسر==0== ==0==ظهرت فيه حكمة الفنان لقباح الورى على الغيد فضل==0== ==0==اذ يضيع الجمال بين الحسان ==2== بالفعل هذا ماسيحدث لو تفشى الجمال بين الناس وصدق الشافعي رحمه الله حين قال "والعود في ارضه نوع من الحطب" ومادمنا نتحدث عن فلسفة الصافي فلا بأس ان نقتطف هذين البيتين اللذين يبينان شيئا من فلسفته في الانسان: ايا ذكرياتي هل انت وهم ام انك حق ولا تعلمين فان كنت وهما فلم تؤلمين؟ وان كنت حقا فلم تختفين؟! والمتأمل في دواوين احمد النجفي والتي تحفل بالمعاني المضغوطة في ابيات مختصرة سيجد ان الشاعر كان ناظما بنسبة عالية جدا الى حد قد يخرجه من الايقاعية النظمية الى النثرية كقوله: قيل لي: من اين تأتيك الامور المحزنات قلت: من دهري ومن نفسي ومن كل الجهات او قوله: ==1== بسني آلام وفي معدتي طوى ==0== ==0== فقل لي اداوي السن ام اشبع البطنا فلست اطيق الاكل والسن مؤلمي ==0== ==0== وافقد سعر الاكل ان اصلح السنا ==2== بعد ما مر من حديث اقول ونحن في عصر تقاصر الزمن فيه عن طموحاتنا واشغالنا نهفو الى الاختصار والتركيز خاصة في الادب وفنونه.. ومنها اشعر. فهل يعي شعراؤنا الشباب هذه الملاحظة. انا شاعر اريد ان يقرأني الناس.. اذن اختصر. انا قاص اريد ان يقرأني الناس.. اذن اختصر. انا كاتب اريد ان يقرأني الناس.. اذن اختصر. والاختصار غير المخل لا يتأتى الا لمن اوتي الحكمة. فان كنت احد اولئك فابحث عن الحكمة في مواطنها واركب موجتها تصل وتفلح. وعذرا قارئي العزيز لعدم قدرتي علي اختصار هذا المقال.