عجوز أنا أصرخ منذ سبعين عاما..
ومازلت أصرخ..
ولم يعيني الصراخ.. ولا البكاء على الاشلاء التي تمزقت طوال تلك السبعين عاما المنصرمة من عمري وعمر الزمن.
ورغم الصراخ.. ورغم الالم.. لم ايأس من استعادة الحق ففي كل يوم ادعو فيه الاله ليعيد الي بيتي الذي هدموه منذ سبعين عاما.. وانا اجلس على هذه الصخرة (الحجر الكبير هذا هو بيتي)! ابيض شعري من البكاء، ومن العويل.. ومن الدعاء.. وشاخ جسدي وترهل من الصبر الشامخ في اوردتي وشراييني.. وفي فكري شموخ الجبال الراسخات. ومازلت اجلس على هذه الصخرة مكان بيتي المهدوم والمسلوب، والمغصوب من قبل الغزاة الصهاينة.. في كل ثانية وكل دقيقة وفي كل ساعة من ساعات تلك السبعين عاما الماضية من عمر بلدي المغتصب حقه كنت انادي العرب.. واطلب منهم النجدة.. واستجديهم علهم يهرعون الى بلد الاحرار فيزيحون عنها، وعن بيتي ستار الظلم والقهر والعذابات المرة، ويوقفون نزيف الدم السائل على الفيافي المسلوبة والمغصوبة، لكن النداء لم يصل. ومازال العرب يرفلون في نوم عميق كذلك النوم الذي غط فيه اهل الكهف. وبعد ان عجزت عن مناداتهم بسبب الصمم الذي اصاب اسماعهم، والعمى الذي غلف افئدتهم، قررت ان ابقى على هذه الصخرة فاما ان اموت، واما ان يقيض الله لي رجلا شجاعا من العرب يستطيع الوقوف في وجه الصهاينة فيعيد الى ما سلب مني بيتي، وبلدي، وقدسي الشريف، والى ان يحين ذلك الوقت، وتأتي تلك اللحظة، وتتحرك النخوة في النفوس والقلوب والعقول التي نامت من سنين سادعو الله ان يرسل الي من يعيد الي بيتي المهدم.
آخر الغيث:
لك الله ايتها العجوز السبعينية التي جعلتني والآخرين نحزن من حرقة الالم.. ومن حرقة العجز.. ومن حرقة النوم.
فلتبقي على هذه الصخرة صابرة ومرابطة.. فما بعد ليل الهلع والبكاء والدماء الا نهار السلام.. وبياض المحبة.
تعجبني المرأة الفلسطينية الصابرة.. التي جعلت من الحجر بيتا لها.. ويذهلني صبرها سبعين عاما دون كلل او ملل، او فقدان الثقة في الله الواحد.
انا من الصابرات على المحن والمصائب والابتلاء.. ولكن صبري في مقابل صبرك.. صبرك انت هو المنتصر.. لذلك سأتعلم من صبرك الدروس والعبر وسأكون اكثر صبرا وقدرة على تحمل ما خطه القدر.
