هناك من انواع التبعية ما هو ظاهر، يجاهر به صاحبه على رؤوس الاشهاد دون ان يخشى لومة لائم، او اعتراض معترض، لانه يملك حجما من الاقتناع اكبر من ان يؤثر فيه ذلك اللوم او هذا الاعتراض، وبذلك تكون التبعية واضحة ويمكن التعامل معها على نفس الدرجة من الوضوح وبما يتناسب مع حجمها وما يمكن ان ينجم عنها من آثار سلبية لا تقتصر على فرد بعينه، بل قد تتعداه الى آخرين في غياب الرقابة الصارمة للظواهر الشاذة في اي مجتمع.
لكن هناك تبعية غير واضحة.. تبعية خفيفة.. تتمثل في اعتناق بعض الافكار والآراء والنظريات الهدامة، والغريبة على المجتمع بعاداته وتقاليده واصالته، وهذه اشد خطرا واسوأ نتيجة، لان من يتبناها لا يعلن ولاءه الصريح للجهة التي (صنعتها) وتسعى لافراز سمومها تحت شعارات براقة تغطي فشلها وتبرز اهدافها المشبوهة.
ان هذه التبعية لا تعلن عن نفسها بسهولة، ومن يحتضنها لتفرخ في مجتمعات آمنة مطمئنة.. لا يمكن ان يسفر عن وجهه القبيح، لذلك فان التعامل مع هذه الفئات يستوجب وعيا كاملا بخطورة الدور الذي تلعبه تحت اكثر من ستار.
ان التبعية الخفية لا تعني فقط الولاء للفكر الوافد، ولكنها تعني ايضا العمل على تقويض اسس الاصالة الفكرية في المجتمع، فهي لا تؤصل فكرا حضاريا واعيا، ولكنها تزرع بذورا خبيثة، لا تلبث ان تتعملق في دوحة اصالة الفكر على حساب المبادئ والقيم النبيلة الراسخة في ضمير المجتمع والأمة.
ان اي فكر وافد لا يمكن ان ينسجم مع اوضاع اي مجتمع ما دام مغلفا بالعدوانية والفوقية والاوهام والخرافات، ويحمل في انسجته خلايا تدميرية تتكاثر بقدر ما يكون لها من الضحايا.
هذه التبعية تفرز نماذج هشة من افراد لا يستطيعون التمييز بين الغث والسمين لانهم تعرضوا لعملية (غسيل الدماغ) بشكل مباشر او غير مباشر، وتكون هذه المباشرة عن طريق التلقين المورث لهذه التبعية، او عن طريق الاقتراب من مواطن الخطر والتعود عليه، والانسياق وراء الاوهام التي تزين له سوء عمله، ومن علامات ضعف الشخصية الانسياق وراء الاوهام، وعدم القدرة على التمييز بين الصالح والطالح، ولعل خير بيئة يجدها الاشرار لبث شرورهم، هي اوساط الشباب الذين لم يتم تحصينهم ضد التيارات الوافدة الفاسدة، وفي هذه الاوساط غير المحصنة يمكن لاي فكر ان يعشش، ويجد مرتعا خصبا ينمو فيه ليثمر خرابا ودمارا للبلاد والعباد، مما يقتضي الحرص الشديد، وتوعية الناشئة بشتى الوسائل لتجنب الوقوع في حبائل هذه التبعية الخفية.
وهذا لا يعني قفل الابواب امام اي فكر قد يستفاد منه لان الانتخاب الواعي للفكر الانساني وتلقيح الثقافة المحلية بالجديد المفيد، لا يعنيان التبعية الخفية، وهي لا تمت اليهما بصلة.. ومحاربة التبعية الخفية هي في احد الجوانب ترحيب بالثقافة الانسانية المفيدة وان كانت وافدة، وعلى المجتمع دائما ان يعرف عدوه مهما قل شأنه لان معظم النار من مستصغر الشرر، وبذلك يستطيع المجتمع ان يحمي افراده من شر ذلك العدو.