الباب التقليدي
اخذ الباب او المدخل في العمارة التقليدية في المنطقة الشرقية اهتماما ووضعية خاصة، انطلاقا من كونه يؤدي وظيفة الخصوصية، واصلا بين الداخل والخارج، بين ماهو خاص وماهو عام، كما انه وسيلة ايحاء عن الوظيفة العامة للمبنى والحالة الاقتصادية التي يتمتع بها صاحبه، ويتضح ذلك في ابواب المباني العائدة للعوائل المقتدرة او الميسورة، حيث نجد التميز واضحا في نمط الباب وما يحمله من نقوش وزخارف، تقابله بساطة شديدة في ابواب البيوت الفقيرة، فهي مجرد ألواح خشبية مرصوصة بجانب بعضها، تؤدي وظيفة الخصوصية لاصحاب الدار دون اي حليات تذكر.
اما ابواب القصور كقصر السراج في الهفوف، وابواب الدراويز، وهي المداخل التي تتوزع على أسوار المدن الخارجية والاحياء الكبيرة كقلعة القطيف وأسوار مدينة الهفوف والمبرز، وكذلك بعض ابواب المزارع الكبيرة التي تشتهر بها المنطقة الشرقية كل هذه البوابات تميزت بكبر حجمها وارتفاعها الملحوظ، كي تؤدي الوظيفة المطلوبة، كما انها تشهد على عظمة واتساع المكان الذي تفضي اليه، غير انها لاتخلو من الابواب الصغيرة للاغراض العادية.
ان اصطلاح (دروازة) التي يطلقها سكان الاحساء على الابواب او المداخل الكبيرة جدا، يستخدمها اهالي (القطيف) للتعبير عن الباب الخارجي للمبنى مهما كان حجمه، ويتكون الباب او الدروازة في المبنى التقليدي المحلي ـ عادة ـ من مصراعين، او بالاصطلاح المحلي (صفجتين) مفردها (صفجة) في طرفها عمود (صاير الباب)، له نتوء من أعلى ومن أسفل، يدخل في تجويف في اطار الباب يسمح له بالحركة، ويفضي الباب في البيت التقليدي الى دهليز (دهريز) بالاصطلاح المحلي او ممر منكسر يتجه لفناء الدار، كي يضمن الحشمة والخصوصية لأهله، ولتفادي العتمه التي يسببها المدخل المنكسر توجد فتحة مستطيلة فوق الباب تعمل على امداد المدخل بالضوء والهواء، وتكون هذه الفتحة نصف دائرية احيانا تزينها وتدعمها قضبان حديدية رفيعة، ويسمى هذا الجزء هلال او (دور).
العنصر الأساس
يمثل الباب أحد عناصر البنية الاساسية في التكوين المعماري والجمالي في المبنى التقليدي، وجزءا حيويا ضمن منظومته المتكاملة، أكد فيها الحرفي الشعبي جانب الخبرة، بالاضافة الى الفطنة والموازنة بين المنفعة والجمال، من خلال المسميات المختلفة التي أطلقها على الابواب المعروفة محليا (مسماري)، (مقطع) (بوخوخة أو بوفرخة) (بغدادي).
وبشكل عام لايوجد هناك اختلاف كبير في صناعة الابواب التقليدية بين مدن المنطقة الشرقية، فهي في الاحساء كما هي في القطيف، غير اننا نجد بعض السمات التي تميز طريقة اخراج الباب وما يحتويه من نقوش وحليات، كما يوجد بعض الاختلاف في الاسماء التي تطلق على نوع الباب او بعض اجزائه، فباب (أبوخوخة) في الاحساء يسمى (ابو فرخة) في القطيف، لكن الباب هو نفسه.
أنواع الأبواب
الباب المسماري يعد من اهم القطع الفنية التي تميزت بها واجهات المباني التقليدية بمساميره الكبيرة المقببة البارزة، وقد شاع استخدام هذا النوع من الابواب كباب خارجي نظرا لقوته ومتانته وتماسك اضلاعه. كان ابتكار الحرفي المحلي للباب المسماري نتيجة طبيعية لندرة الاخشاب في البيئة المحلية، حيث اعتمد الحرفي على طريقة تجميع شرائح خشبية الى جانب بعضها، لعدم توافر أشجار محلية تناسب شرحيتها حجم الباب، وكانت هذه المشكلة من اكبر المشاكل التي كانت تواجه النجار في صناعة الكثير من الاعمال التي تحتاج لقطع خشبية عريضة كالابواب والنوافذ والصناديق الخشبية، وكان التغلب على هذه المشكلة يتم بصف شرائح مناسبة بجانب بعضها البعض من الاخشاب المتوافرة محليا كخشب السدر والاثل، لكن هذه المشكلة بدأت تتضاءل تدريجيا بالاخشاب المستوردة التي بدأت تفد الى المنطقة، والتي تتميز بالكثير من الصفات والخصائص التي تجعلها اكثر جودة من الاخشاب المحلية، كخشب الساج، والصنوبر، والجاوي.
يتألف الباب المسماري من مصراعين، يكون احدهما شبه ثابت في اطار الباب، وهو في الغالب المصراع الذي يقع على يسار الداخل، والذي يوجد به (خشم) أو(انف) الباب، ويعمل على تثبيت المصراع.
تتماسك الشرائح الطولية للباب المسماري بجانب بعضها عن طريق اعمده خشبية من الخلف، تمر عبرها صفوف المسامير المقببة المتوازية التي تظهر في صدر الباب، ويصطلح النجارون في الاحساء على تسمية تلك الاضلاع الخلفية للباب (ضواريب) ، بينما تسمى في القطيف (شلامين)، ونستطيع معرفة عددها من مشاهدة صفوف المسامير التي تزين واجهة الباب الباب المقطع: يعتبر من الابواب التقليدية الاكثر حداثة من المسماري، وتدل تسميته على شكلة، فهو يتكون من مجموعة من القطع تسمى (مناظر)، وبه مصراعان، وكل مصراع يتكون من 3 او 4 مناظر متتالية، محشورة بين عمودين طوليين يسمى الواحد منهما (مطوال) او (بازي) اما (الكفسيج) فانها القطعة التي تفصل بين المنظرة والاخرى، والباب المقطع من الابواب الداخلية، حيث استخدم في المرافق والغرف الداخلية للمسكن التقليدي، نظرا لخفته. باب بوخوخة: ويسمى في القطيف (ابوفرخة) وهو من انواع الابواب الكبيرة التي عرفت في منطقة الخليج العربي، ويتميز بوجود باب صغير في طرف الباب الكبير يسمى (خوخة) او (فرخة)، ويستخدم للخروج والدخول دون الحاجة لفتح الباب بأكمله الا عند الضرورة، كما ان هذه الفتحة الصغيرة تهدف الى مراعاة حرمة الدار واهله عند فتحه، وفي الاصل ينتمي هذا النوع من الابواب للباب المسماري في طريقة تكوينه.
ويلاحظ ان استخدامه كان مرتبطا بشكل اكبر بالمباني الكبيرة كالقصور والقلاع ومزارع النخيل احيانا، خاصة في حالة المدخل الذي يشرف على فناء واسع او مفتوح. أجزاء الباب التقليدي
الاطار : في الغالب كان اطار الباب يصنع من خشب الاثل، وهو في ابسط اشكاله عبارة عن 4 اضلاع تحيط بالباب وتحمله بواسطة (المدور) في الضلع العلوي لذلك كان اطار الباب يسمى (محمل)، الا ان الاسم المتعارف عليه لدى غالبية النجارين والذي يبين جانب الاحتكاك والارتباط بثقافات اخرى حتى في المسميات عرضا عن الاشكال هو (جاربارا) ، وهي لفظة فارسية على الارجح وتعني القطع الاربع، ويوضح ذلك مدى الارتباط والعلاقة بين الثقافة المحلية مع الثقافات والحضارات المجاورة، والتي ادت الى الامتزاج والاندماج معها في الكثير من الانماط والخصائص، وذلك لتقارب هذه البيئات مع البيئة المحلية.
يحمل اطار الباب مجموعة من النقوش التي تتناسب مع نقوش الباب، وثمة شبه اتفاق بين النجارين على مجموعة من الاشكال التي تزين اطار الباب وهي على شكل اشرطة متوازية تفصل بينها خطوط مستقيمة.
خشم الباب : (خشم المعرس سل سيوف)، هكذا يقال قديما في وصف العريس او للتغني به ليلة زفافه دلالة على ما للخشم او الانف الجميل الطويل (الذي يشبه هنا بالسيف) من مكانة تضفي على الوجه بأكمله وسامة وجمالا خاصا، وهكذا اختلج هذا المعنى في نفس الحرفي الشعبي واسقطه على اهم جزء جمالي في الباب (خشم الباب) كعنصر جمالي ووظيفي يقف شامخا في صدر الباب بجماله كمنحوتة فنية رائعة تزينها النقوش والزخارف.
ولخشم الباب اشكال وانواع ومسميات مختلفة، خصوصا لدى النجارين الاحسائيين، الذين اطلقوا اسماء معينة تعتمد على نوع وطريقة النقوش التي يحتويها خشم الباب مثل (خشم مسكتي) ، (خشم مدرج)، (خشم بوخوازين) (خشم بوسعفة) (خشم بوجدو).