أخبار متعلقة
يواصل د. علي النملة وزير العمل والشئون الاجتماعية "وقفاته" حول العولمة وانعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية بالمنطقة العربية حيث رصد في العدد السابق 12 وقفة تتعلق باشكالية العولمة وكيفية التأهيل العربي للمواجهة ويرى في الوقفة 13 ان الطفرة التي مرت بها منطقة الخليج تمت بفعل الواردات الضخمة من تصدير النفط وهذا خلق جيلاً عزف عن العمل عندما وجد مقومات الحياة وبالتالي استقدم الوافد ليكون بديلاً عنه في ادارة المنشآت التجارية والصناعية واعطى الفرصة للوافدين ليستأثروا منها بالاموال وتحول إلى خارج المنطقة سنوياً ما يزيد على 100 مليار ريال سعودي على المستوى الخليجي عامة وهذا (الوضع المؤقت) صعب مشروعات التوطين وبرامجه كثيراً.
( مفاهيم البطالة )
الوقفة الرابعة عشرة: ان هناك اطروحات تذكر ان التوجه إلى العولمة سيزيد من حدة البطالة في العالم كافة، وفي الدول المتقدمة بخاصة، وهذا قد يؤدي إلى الحد من المزيد من الرغبة في الهجرة إلى الدول المتقدمة التي لم تعد قادرة على استيعاب المزيد كما قد يؤدي إلى نشوء (عمالة) رخيصة تهاجر اليها الاعمال بدلاً من ان تهاجر هي إلى مواطن العمل.
اما اذا اردنا تطبيق ذلك على منطقة الخليج العربية فان مفهوم البطالة الذي وضعته منظمة العمل الدولية والمتمثل في رغبة العامل في وجود عمل يملك التأهيل له فلا يجده، قد لا ينطبق موضوعياً على وجود عدد من الباحثين عن العمل من المواطنين الخليجيين، ذلك لافتقار بعضهم إلى الرغبة، وافتقار فئة ثانية إلى التأهيل وحاجة البقية إلى الجدية في البحث عن العمل ويأتي هذا الاحتراز توكيداً على تعريف البطالة الذي تبناه برنامج الامم المتحدة الانمائي على انه: كل الافراد فوق سن معينة ممن لا يعملون بأجر او لحسابهم الخاص والمتوفدين للعمل واتخذوا خطوات محددة بحثاً عن عمل بأجر او لحسابهم الخاص.
ومع هذا فلا بد من التسليم بوجود بطالة بين الشباب خاصة في منطقة الخليج العربية، وان على دول المنطقة اتخاذ التدابير المناسبة لتنسيق الحماية من البطالة فيها في سياستها في مجال العمال، وتحرص لهذا الغرض على ان يسهم نظام الحماية من البطالة فيها لا سيما طرائق تقديم اعانات البطالة في تعزيز العمالة الكاملة والمنتجة والمختارة بحرية والا يكون من اثرها عدم تشجيع اصحاب العمل على عرض عمالة منتجة والعمال عن البحث عن هذه العمالة. وهذا نص من المادة الثانية من الاتفاقية ذات الرقم (168) لعام 1988م والتوصية ذات الرقم 176 من العام نفسه بشأن تعزيز العمالة والحماية من البطالة.
( القوي العاملة )
الوقفة الخامسة عشرة:انه في ضوء الجهود الحكومية والخاصة "الاهلية" في تدريب القوى العاملة المحلية فان هناك جهات دولية لها التزاماتها في موضوع الرقي بالقوى العاملة وتهيئة المصادر البشرية المواطنة من خلال البرامج التي تقوم بها هذه الجهات، ومن ابرزها جهود منظمة العمل الدولية، ثم منظمة العمل العربية، واسداء المشورة وتكوين الخبرة، واستحداث التنظيمات التي تكفل قيام قوى بشرية مدربة ومؤهلة لشغل سوق العمل دون مزاحمة مباشرة من التقنية الحديثة، هذا مع التوكيد على تطويع البرامج والخبرة لمعطيات المنطقة الدينية والثقافية، اذ من السهل استيراد نماذج جاهزة لكن من الصعب جداً توقع نجاحها ان لم تكن قد خضعت لقدر عال من التأصيل، اذ انه ليس من الحكمة ان يفترض ان أي تنظيم مؤسسي يجري استيراده من الدول المتقدمة اقتصادياً هو بالضرورة اكثر فائدة، من وجهة نظر التنمية البشرية، من المؤسسات التقليدية الموجودة في الدولة الاقل نمواً. ان تيار العولمة كثيراً ما يهدد بالاندثار تنظيمات مؤسسية وتقاليد عريقة في الدول النامية لعبت طوال قرون عديدة دوراً فعالاً في التخفيف من اعباء الفقراء. كما يذكر جلال امين مؤلف العولمة والتنمية العربية.
ومن بين المؤسسات التي يذكرها المؤلف: مؤسستا الزكاة والوقف اللتان اصابهما الضعف والذبول مع زيادة اندماج الاقتصادات والمجتمعات العربية في العالم الحديث ان المسؤولية عن مواجهة مثل هذه الاخطار تقع ليس فقط على حكومات وشعوب الدول النامية بل وكذلك على المؤسسات العاملة في ميدان التنمية الاقتصادية والمنتمية إلى العالم الاكثر تقدماً فبينما تقع على الاولى مسئولية التمسك والثقة ببعض مؤسساتها التقليدية التي ما زالت قادرة على القيام بدور ايجابي في التنمية وفي التخفيف من اعباء الفقراء تقع على الاخرى مسئولية التخلص من ذلك الاعتقاد البالي والثقة العمياء بأن أي مؤسسة عصرية او أي تنظيم اجتماعي حديث هو بالضرورة افضل واكثر فعالية واعلى في مضمار التقدم من أي مؤسسة قديمة او تنظيم اجتماعي ابدعته ثقافة امة فقيرة.
وهذا يعني ان هناك بدائل موجودة يمكن الافادة منها، اذا ما جرى عليها تطوير وتفعيل بحيث تسهم في مشروعات التوطين من خلال دعم التدريب والتأهيل، ودعم مشروعات العمل الذاتي (الخاص) الصغيرة التي تسهم بدورها في ايجاد فرص العمل للقادرين على دخول السوق ليكونوا في البدء رجال اعمال بمنشآت صغيرة لا يلبث بعضها ان يتطور ويكبر وينمو بفعل القيام عليها مباشرة دون الاتكال على غيرهم في ادارتها وجني ثمارها بنفسه على حساب صاحب العمل المبتدئ نفسه.
الوقفة السادسة عشرة:انه من المهم ايضاً في ضوء تهيئة الموارد البشرية في ظل العولمة ان يبقى الشأن العمالي من حيث التطوير والحقوق والتنمية بأشكالها تحت مظلة منظمة العمل الدولية بدلاً من التدخل المباشر من قبل منظمة التجارة العالمية لا سيما ما يتعلق باصدار معايير العمل الدولية ومتابعتها وهذا ما اكده المؤتمر الوزاري الاول لمنظمة التجارة العالمية الذي عقد في سنغافورة سنة 1416 هـ - 1996م، بأن منظمة العمل الدولية هي الجهة المختصة باصدار المعايير الدولية للعمل ومتابعتها وجدد التزام الدول باحترام هذه المعايير، واعاد التوكيد على دعم انشطة منظمة العمل الدولية لتعزيز المعايير المذكورة في المؤتمر الوزاري الثالث الذي عقد في سياتل/ الولايات المتحدة الامريكية سنة 1420هـ - 1999م وينبع هذا مما تراه منظمة العمل الدولية من الخطر في استحواذ منظمة التجارة العالمية على كل شيء.
ولم تخف منظمة العمل الدولية تحذيراتها من خطر العولمة واندماج الاسواق العالمية على مستقبل العمال التي بدأت اثارها تطفو على السطح بزيادة معدلات البطالة وانخفاض الاجور في الدول الاوروبية اضافة إلى الدول النامية.
وتوكيداً لذلك صدر عن منظمة العمل الدولية اعلان المبادئ والحقوق الاساسية في العمل سنة 1418 هـ - 1998م الذي تضمنت فقرته الخامسة عدم جواز استخدام معايير العمل لغايات تجارية حمائية، ويركز هذا الاعلان على اهمية تعزيز اربعة مبادئ وحقوق رئيسية في العمل وهي:الحرية النقابية والاقرار الفعلي بحث المفاوضة الجماعية.القضاء على جميع اشكال العمل الجبري او الالزامي.القضاء الفعلي على عمل الاطفال.
- القضاء على التمييز في الاستخدام والمهنة.كما تم في اطار منظمة العمل الدولية تكوين لجنة عالية المستوى خاصة بالعولمة تعنى باعداد تقارير منتظمة حول الابعاد الاجتماعية للعولمة وتتألف هذه اللجنة من عشرين شخصية دولية مرموقة في تخصصات متعددة.
( سوق العمل الخليجي )
الوقفة السابعة عشرة: ان منطقة الخليج بدولها الست لا تزال، على تفاوت يسير بينها، تفتقر إلى المعلومة الدقيقة عن سوق العمل، وحجم طالبي العمل من المواطنين، ومدى تأهيلهم وقدراتهم الذاتية على العمل الميداني، مما نتج عنه غموض في تحديد نسبة دقيقة للبطالة بمفهوم البطالة العلمي الموضوعي الذي سبق الحديث عنه في وقفة سابقة من هذه الوقفات "الوقفة الرابعة عشرة" هذا على الرغم من تكرار الدعوات إلى ايجاد نظم معلومات العمل ومراكزها وقواعدها المعلوماتية الكفيلة - باذن الله تعالى - بالقدرة على صنع القرار في مجال تنمية الموارد البشرية وتهيئتها لسوق العمل في المنطقة، مما يستدعي سرعة التنبه إلى ذلك عملياً بعد ان تم التنبه إليه نظرياً من خلال توصيات الندوة الاقليمية حول التشغيل في اطار تنمية الموارد البشرية بدول مجلس التعاون التي تمت بمملكة البحرين بالتعاون مع وزارة العمل والشئون الاجتماعية بمملكة البحرين ومنظمة العمل الدولية وبرنامج الامم المتحدة الانمائي في المدة من 6 - 8/12/1997م.
ولا عبرة ببعض الطروحات العجلى التي اعطت البطالة نسباً دخلت في حيز العشرات بدلت من الاحاد، اذ انها في معظمها لا تتكئ على استقراء علمي سليم يطبق المفهوم الفني للبطالة، ويتطلع الجميع إلى الرقم الحقيقي المبني على اسلوب علمي سليم على مستوى منطقة الخليج العربية، حيث يضع في الاعتبار عدة متغيرات تتدخل في النظر إلى البطالة، بما في ذلك حسم النقاش المستمر حول الحد الادنى لسن الالتحاق بالعمل، الذي حددته منظمة العمل الدولية بخمس عشرة سنة، هذا التحديد الذي يبدو انه يحتاج إلى اعادة نظر ما اخذت دول المنطقة بالزامية التعليم، وحددت سنواته، مما سيعين - باذن الله - على اتخاذ المزيد من الاجراءات النظامية "القانونية" في التصدي للبطالة. وبالتالي المضي قدماً في مشروعات التوطين وبرامجه.
( الاستجابة للتداعيات )
الوقفة الثامنة عشرة: انه من خلال الاستعراض السريع للادبيات التي رجعت اليها في مجالي العولمة والتنمية البشرية استطيع الخروج بنتيجة عجلى مفادها ان الاستجابة لتداعيات العولمة يأتي على حساب توطين العمال في المنطقة بخاصة، وفي العالم بعامة وهذا مؤشر اذا تم لا يبشر بخير، لا سيما مع تزايد الاقبال على الحكومة الالكترونية.
ولقد كتبت مقالة باللغة الانجليزية عن النقص في القوى البشرية في المملكة العربية السعودية واثره على خدمات المكتبات والمعلومات ودعوت فيها إلى الحكومة الالكترونية وكان ذلك سنة 1402 هـ - 1982م ولكني اعود الآن اكثر تحفظاً حينما تبين لي ان التوجه نحو الحكومة الالكترونية بهذا القدر من السطحية قد يكون على حساب تنمية الموارد البشرية وتهيئة سوق العمل وايجاد الاجراءات الادارية والنظامية (القانونية) لذلك بما في ذلك مشروعات التوطين التي تتبناها دول المنطقة.
وعلى اية حال فهناك ظواهر لا خيار في اللحاق بها، ومنها ظاهرة الحكومة الالكترونية والتجارة الالكترونية كذلك مما سيؤثر على مفهوم العمل اذ ان التقنية سوف تلغي الحاجة لبعض الممارسات والخدمات في العمل الدولي، في حين توجد فرصاً جديدة غالباً ما تكون مربحة. ان الانترنت مثلها كمثل أي ابتكار جديد في عالم الاتصالات تجعل العالم اصفر، وكغيرها من ادوات التعامل الجديدة، توجد مجالات من القلق والمخاطر غير المألوفة والشركات التي تستطيع ان تعبر بمهارة في هذه المياه المجهولة هي الشركات الاكثر احتمالاً للوصول إلى اهدافها المرغوبة في العمل الدولي.
( مقومات التدريب )
الوقفة التاسعة عشرة: انه في سبيل تنمية الموارد البشرية في ظل العولمة تبين ان التعليم والتدريب هما المقومان الرئيسيان في تنمية الموارد البشرية وان هناك رضا يصل إلى 77% على وفرة التعليم دون الجامعي، ثم يبدأ مستوى الرضا ينخفض ليصل إلى 62% في مجال التعليم الجامعي، ثم تتراجع النسبة فيما يتعلق بالتأهيل والتدريب للوظائف الفنية ليصل إلى 50%، وهي نسبة معقولة عندي في ضوء ضعف التركيز على التعليم الفني والتدريب المهني لسنوات عديدة، والاعتماد على العامل الوافد لسد هذا العجز، هذا بالاضافة إلى روح التفاؤل التي يشجعها التوجه القوي نحو التدريب والتأهيل من خلال الخطوات الآتية: انشاء المزيد من مراكز التدريب الحكومية والاهلية والخاصة بالمنشآت التجارية والصناعية بما في ذلك المعاهد الفنية والكليات التطبيقية من تقنية وصحية وزراعية ومعلوماتية وملاحقة مستجدات التدريب. وزيادة الاقبال الملحوظ من الشباب على الالتحاق بهذه المراكز والمعاهد والكليات. والتعاون المشترك في مجالات التدريب والتأهيل بين المؤسسات التدريبية والغرف التجارية الصناعية في المنطقة، ومن ابرز الامثلة على ذلك التنظيم الوطني للتدريب المشترك في المملكة العربية السعودية الذي تتعاون فيه المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني والغرف التجارية الصناعية وصندوق تنمية الموارد البشرية. و ربط التدريب بالتوظيف، بحيث يضمن المتدرب إلى حد كبير قبول سوق العمل له عند الانتهاء من تدريبه، بل ان الامر تعدى ذلك إلى التدريب على رأس العمل. وبدء ظهور القناعة، وبالتالي الارادة لدى اصحاب الاعمال بالتوجه إلى العامل المواطن بعد ان حقق تقدماً في مجال التأهيل والتدريب والالتزام باخلاقيات العمل وبعد ان تقاربت كلفة العامل المواطن والعامل الوافد من حيث الاجور وتكلفة اجراءات الاستقدام وذلك بعد ان توجه طالبو العمل إلى مفهوم التدريب قبل التوظيف، واكتساب مهارات مؤهلة للدخول في سوق العمل وهذا في حد ذاته تحد يخرج مفهوم التدريب والتأهيل إلى آفاق ارحب واوسع من خلال الرغبة في الابقاء على مواقع العمال في العمل بالمزيد من الاتصال المستمر والمنتظم مع المعرفة ومستجداتها وتقنية المعلومات ومتطلباتها للخروج من مفهوم الامية الحاسوبية او الامية الالكترونية بصورة اعم.
الوقفة العشرون:ان منطقة الخليج العربية لا تزال مقتصرة في تأهيل الشباب وتدريبهم واعادة تأهيلهم، فاذا كان يوجد في المملكة الان اكثر من ستمائة مركز تدريب او معهد تأهيل بين حكومية واهلية مستقلة واهلية خاصة تابعة للشركات والمؤسسات فان هذا العدد لا يفي بالحاجة إلى تأهيل الشباب لا يزال قاصراً دون المطلوب.
على ان هناك، من هذا المنطلق، تحديات تواجه تهيئة الموارد البشرية في المنطقة، ومنها مايلي: ارتفاع معدلات الامية بمفهومها الاوسع. وارتفاع معدلات البطالة والعمالة الناقصة.والمهارات الصناعية المحدودة. ونشاط البحث والتطوير غير الكافي. والمواقف غير الواقعية من العمل مثل تفضيل الاعمال الادارية المكتبية. وارتفاع المديونية.
وهذا يقود إلى التوكيد على الحاجة الملحة إلى التدريب الاجتماعي الذي لا يقتصر على المنشأة بالتدريب الفني والتقني فحسب بل يتعدى ذلك إلى خارج المنشأة حيث التعامل مع نمط الحياة العامة. ( اتجاه الخصخصة )
الوقفة الحادية والعشرون:ان لجوء الحكومات إلى الخصخصة في مجال الخدمات التي كانت مدعومة وتقدم مجاناً او بمقابل زهيد يحتاج إلى وقت للقبول والاقناع من خلال التوعية، ومن خلال التدرج في مشروعات الخصخصة التي تتطلب ارتفاعاً ملحوظاً في الخدمات التي تقدمها الحكومات بما لا يتعارض مع البعد السيادي لهذه الحكومات، لا سيما انه قد أتى على الناس حين من الدهر توطن في نفوسهم ان هذه الخدمات انما هي من مهمات الحكومة.
ثم انه من الخطورة اللجوء إلى تسريح العمال المواطنين/ الموظفين بفعل خصخصة الخدمات التي تقدم للمواطن والوافد، واؤكد على هذه النقطة لان هناك طرحاً يجمع بين الخصخصة وتسريح العمال، وقد يكون هذا مبنياً كذلك على اعتبار ان هناك طرحاً اعلامياً يؤكد على الفائض في الموظفين لدى القطاع العام فاذا ما تمت مشروعات الخصخصة تطلب الأمر اعادة تأهيل اعداد كثيرة من العاملين في سبيل الافادة منهم في القطاع الخاص الذي سيتولى مهمات تقديم الخدمات.
على ان هناك من يعد الخصخصة من محاذير العولمة وذلك حينما تنتقل الملكية العامة للامة إلى الملكية الخاصة في الداخل والخارج، ومن ثم يتقلص دور الدولة في المراقبة والتوجيه في المجال الاقتصادي ان اضعاف سلطة الدولة في سبيل العولمة يؤدي إلى استيقاظ مرجعيات للانتماء سابقة على الدولة من القبيلة والطائفة والمذهب، وهذا يفضي إلى تشتيت وتفتيت.
الوقفة الثانية والعشرون: انه من المهم جداً التركيز في سبيل تدريب القوى العاملة وتأهيلها على عدم الاقتصار على التوظيف / العمل لدى صاحب عمل جاهز، بل انه من المؤكد تحفيز العامل على ان يكون هو صاحب العمل، ويوظف لديه اخرين يتحولون بعد مدة من التدريب والخبرة إلى اصحاب عمل، وهكذا كانت الحال عليه حتى قبل قيام مراكز التدريب ومعاهد التأهيل وهكذا ينبغي ان تكون الحال عليه ما دامت الفرص متاحة لكنها مشغولة الآن بغير المواطن وهذا الاجراء ادى إلى قيام الحكومات إلى دعم هذا التوجه بحيث تمنح الحكومات قروضاً حسنة للمواطنين لاقامة مشروعات صغيرة في انطلاقتها، قابلة للنمو والتوسع ومثال ذلك تجربة بنوك التسليف الوطنية وغيرها مما يماثلها من المؤسسات المالية الاخرى.
ومع ذلك فان هذا التوجه يتطلب تشجيع الناشئة الباحثين عن فرص عمل على التخلي عن بعض الممارسات الموروثة السلبية تجاه الرغبة في التوظيف، واشاعة روح المبادرة والرغبة في المخاطرة بتحمل مسئولية العمل، كما يتطلب قدراً من الحماية من لدن الدولة بحيث تتوافر النية إلى هذا التوجه، ولا يشعر المتجه اليه بانه (محارب) في مهنته من آخرين دخيلين عليها.
الوقفة الثالثة والعشرون:
انه في ضوء السعي إلى تنمية الموارد البشرية النظامية لا تزال المنطقة بعامة بحاجة ملحة إلى المزيد من التنظيمات والاجراءات النظامية (القانونية) التي تكفل بيئة عمل تتناسب مع خصوصية المنطقة الثقافية والاجتماعية والمناخية والجغرافية ومن ذلك السعي الجاد والسريع إلى تحديد اوقات العمل (الدوام) في القطاع الخاص، لا سيما في المنشآت التجارية والاسواق والمحلات الصغيرة ولا يتصور ان يشغل هذه المنشآت مواطنون اذا استمر الوضع على ما هو عليه من حرية البدء والانتهاء في عمل اليوم والليلة طيلة ايام الاسبوع ويدخل في ذلك كذلك انهاء مشروعات النظر في الحد الادنى للاجور الذي يستوي فيه المواطن والوافد بحيث تتحول كلفة العامل الوافد إلى أعلى منها لدى العامل المواطن، فيزداد الاقبال على تشغيل العامل المواطن، هذا بالاضافة إلى خدمات اخرى تقدم للعامل كالتأمينات الاجتماعية والضمان الصحي والحوافز الاخرى وهذا سيؤدي - حتماً - إلى اعادة القطاع الاهلي النظر في نسبة الارباح المباشرة والانطلاق إلى النظر إلى الارباح بعيدة المدى ليس من منطلقات معنوية كالوطنية وخدمة المجتمع، ولكن من منطلق اقتصادي بحت فالربح السريع الذي يطيب لبعض المستثمرين لا يعني بالضرورة الاستمرار عليه اذا ما كانت التركيبة العمالية غير سليمة.
(العمالة الوافدة )
الوقفة الرابعة والعشرون:ان الحق في العمل يعود للمواطن الخليجي في منطقته، وكل وظيفة يشغلها وافد تعد شاغرة، اذا وجد المواطن الخليجي القادر على شغلها، والمؤهل لشغلها والراغب في ذلك دون الاخلال بعقود العمل التي التزم بها صاحب العمل مع العامل الوافد، حتى لا يظن ان هذه القاعدة قابلة للتطبيق، او لازمة التطبيق، بمجرد وجود المواطن الراغب في العمل والباحث عنه والقادر عليه، بل انها قاعدة مبنية على ان فرص العمل المتاحة هي حق، غير معلن، للمواطن ما دام مؤهلاً لشغلها فاذا لم يوجد المواطن القادر على شغلها، شغلها الوافد، والوافد يدرك انه انما يشغلها بسبب عدم توافر المواطن القادر على شغلها، وادراكه لذلك هو المقصود بهذه القاعدة، مهما حاول بعض العمال الوافدين اتخاذ التدابير التي تطيل بقاءهم في المنطقة، فهي تدابير مدركة ومقدرة ومتفهمة ما دامت تدابير مشروعة نظامية (قانونية) ومن ذلك رغبة الوافد العامل في تطوير مهنته بالتدريب والخبرة ومن ثم تغيير اسم المهنة إلى تصنيف ادق يكون مطلوباً في سوق العمل، وهذا الاجراء نظامي (قانوني) في المنطقة، وهذا ما يقود إلى الوقفة الخامسة والعشرين.
الوقفة الخامسة والعشرون:ان من المهم اعتبار ان هذا العدد من العاملين معنا في منطقة الخليج العربية من الوافدين انما هم عاملون مؤقتون يعملون بعقود محددة بمدة معلومة قابلة للتجديد والتمديد لمدة معلومة كذلك، يعودون بعدها إلى ديارهم او حيثما كانت وجهتهم، ومن ثم فانه لا ينطبق عليهم مفهوم العمال المهاجرين الذين لهم اعتبار ومفهوم لدى منظمة العمل الدولية. والموضوع اكثر تعقيداً من مجرد هذا الطرح ذلك ان المنطقة لا ترغب في توطين العاملين الوافدين في ظل الزيادة الملحوظة في السكان المحليين وزيادة معدلات النمو السكاني بفضل من الله تعالى، ثم بفعل التحسن الزائد الملحوظ في مستوى المعيشة مما مر بيانه في وقفة سابقة، بينما مفهوم العمال المهاجرين يدل على قدر من التوطين وما يتبع ذلك من استفادة من الخدمات العامة المقدمة للعمال انفسهم ولمرافقيهم من افراد اسرهم وما يتبع ذلك كذلك من شعور بالرغبة في عدم استيطان العمال وهذا واضح في الحملات الموجهة ضد العمال المهاجرين في كل من امريكا واوروبا حيث ان هؤلاء العمال يعدون خطراً على هذه المجتمعات في المستقبل بل يرى بعض الراغبين في اعادة العمال الاجانب إلى مواطنهم او اخراجهم من البلاد كما يذكر محمد مقداد ان هذا الجانب يكون الخطر الرابع في سلم المخاطر التي تتعرض لها المجتمعات الغربية ويتضح هذا من خلال استطلاعات الرأي العام التي ترتفع فيها نسبة الرغبة في التخلص من العمال المهاجرين من سنة إلى اخرى.
الوقفة السادسة والعشرون: انه ينبغي التوكيد على ان الوافدين من العمال من مختلف مستوياتهم انما جاءوا ليسهموا في تنمية هذه الرقعة من العالم، وان المقابل المادي النظامي (القانوني) الذي يحصلون عليه لا يتفق بالضرورة مع الجهد الذي يبذلونه، اذ ان اثر الجهود تبقى على مر الزمن، اما المقابل فهو أجر عرفي مشروع، وينظر اليه على انه اقل مما يستحقه العامل لقاء ما يقوم به من عمل وعليه فلابد من زيادة اجر العامل الوافد والمواطن من خلال وضع حد ادنى للاجور بحسب المهن والمهن الفرعية في المهن نفسها، ويتساوى في ذلك العامل الوافد والعامل المواطن دون تمييز تمشياً مع اتفاقيات منظمة العمل الدولية واعلان فيلادلفيا 1994م من تمكين الجميع من الحصول على قسط عادل من ثمرات التقدم من حيث الاجور والمكاسب، وساعات العمل وغيرها من شروطه ومن حيث توفير اجر يضمن حدا ادنى من المعاش لجميع المستخدمين والمحتاجين إلى هذه الحماية.
وقد ضمن نظام العمل والعمال المطبق في المملكة العربية السعودية اقتراح الحد الادنى للاجور يرفعه وزير العمل إلى مجلس الوزراء لاقراره.
والوافدون بما قدموا يستحقون منا التقدير والشكر الجزيل، وليس من حقهم علينا ان نغفل جهودهم عندما نتبنى مشروعات لتوطين الوظائف، فنغمطهم حقهم ففي ذلك نكران للجهود التي بذلوها، وتهميش لمدى ما اسهموا به في تنمية بلدان المنطقة ووصولها تنموياً إلى ما وصلت اليه.
التدريب يكتسب اهمية من احتياجات سوق العمل