حذر الخبيران الاعلاميان سعد لبيب وعبدالوهاب قتاية من خطورة الانسياق وراء شعارات العولمة وازالة الحدود والحواجز بين الدول.. جاء ذلك خلال ندوة "الاعلام بين التبيعتة والهوية الوطنية" التي نظمها مركز رامتان الثقافي بالقاهرة في اطار فعاليات موسمه الثقافي الحادي عشر الذي يحمل عنوان "المجتمع بين التبعية والهوية الوطنية".
في البداية انتقد الخبير الاعلامي سعد لبيب انتشار مشاهد الدمار والخراب التي اصبحت تغص بها شاشات الفضائيات في شتى انحاء العالم خاصة المنطقة العربية.
اشار الى ان تعريف الاعلام تضخم خلال السنوات الاخيرة ليصبح امبراطورية صناعية كبيرة لها العديد من الوسائل والادوات المساعدة وتجلى ذلك في انتشار استخدامات الكمبيوتر والانترنت والاعلانات وغيرها.
انسان اعلامي
قال سعد لبيب ان الانسان الفرد اصبح انسانا اعلاميا بعد ان هيمنت الرسائل الاعلامية على تفكيره وسلوكياته في حياته العادية والخاصة، واضاف ان العالم العربي يواجه هجمة اعلامية شرسة تطوق الفرد فيه من بداية يومه حتى نهايته.
ثالوث الاعلام
اوضح لبيب ان الاعلام لا يعمل في فراغ وانما هو منظومة متكاملة تشكل من التعليم والثقافة والاعلام، ولهم تأثير متبادل فيما بينهم وقال ان التعليم ليس مجرد معلومات وانما هو المعرفة المترسبة في ذهن الفرد التي تجعل العلاقة بين الفرد والحياة صحيحة.
تحديث التعليم
اكد ان تحديث التعليم استحوذ على اهتمامات المثقفين على كافة المستويات في كل مكان.
وحول تعريف الثقافة قال ان تعريفها تغير قديما وحديثا فقديما كان المثقف الذي يحفظ اكثر مثل الشعراء والادباءالذين كانوا يحفظون معلقات كاملة ودواوين شعرية بها الاف الابيات.. اما الآن فالمثقف اصبح ملما بالجوانب السياسية والاقتصادية بالاضافة لوجهة نظر ارتقى بها فكريا وثقافيا وسياسيا.
طالب لبيب بدعم هذا الثالوث ماديا وادبيا في المجتمع حتى يمكن مجابهة أي تحديات ودفع الناس للتقدم والرقي.
التبعية
وعن التبعية قال: هي فرض ارادة خارجية على مجتمع ما، وان للتبعية صورا واشكالا عديدة منها التبعية الاقتصادية والثقافية.
واشار الى ان التبعية بدأت قديما في صورة الاستعمار العسكري الغربي لافريقيا وآسيا، واوضح ان هناك الكثير من القيود المفروضة على هذه الدول تجاريا وسياسيا واقتصاديا ويتم ذلك من خلال اتفاقيات دولية ملزمة، غالبا ما تتنصل منها الدول الكبرى مثل اتفاقية التجارة العالمية ومعاهدة كيوتو.
نظام فاسد
انتقد لبيب الحرية المطلقة للرأسمالية وقال ان نظام حرية التجارة فاشل ودعا لتوفير الاحتياجات الاساسية وليس اختزال الحرية في العالم الى تجارة واقتصاد.
اكد أن البيئة اصبحت تستحوذ على اهتمامات الدول والمنظمات بعد تزايد المخاطر البيئية خاصة ما يتعلق منها بثقب الاوزون وارتفاع درجة حرارة الارض التي ارجع اليها علماء المناخ مؤخرا أنها السبب في الفيضانات والجفاف التي سادت اوروبا وجنوب آسيا خلال شهر اغسطس الماضي.
حمل لبيب بشدة على موقف الولايات المتحدة بالانسحاب من معاهدة كيوتو التي تنص على الزام الدول تقليل الانبعاثات الضارة حتى يمكن اعادة التوازن للمناخ في الارض وقال: ان انسحاب الولايات المتحدة لمصلحتها الضرورية وكأنها تعيش في جزيرة معزولة عن العالم وهذا من سياسات بوش للهيمنة على العالم واشار الى ان لهذه الاتفاقيات قيودا على الدول الفقيرة.
وعرج لبيب في حديثه الى التقرير الصادر عن الامم المتحدة حول التنمية البشرية في الوطن العربي الذي اشار الى تخلف العرب اقتصاديا واجتماعيا وزيادة معدلات البطالة والامية والتراجع الثقافي.. واضاف أن التقرير قال ان القطاع الخاص لم يؤد دوره المنوط به في تنمية المجتمع مثلما يحدث في الدول المتقدمة.. الذي ينشئ الجامعات ويرعى البحث العلمي ويهتم بالشباب واتجاهاته.
ثم تحدث الخبير الاعلامي عبدالوهاب قتاية فقال ان الوطن العربي يواجه تحديات سياسية واقتصادية كبيرة خاصة من قبل الولايات المتحدة التي تحاول فرض النموذج الامريكي الفكري والثقافي على شعوب العالم بأسره.. بدعاوى العولمة وشعارات القرية الصغيرة والشركات العابرة للقارات والغاء الحدود والحواجز الجغرافية بين الدول والتقدم التكنولوجي.
وتساءل قتاية هل تم الغاء الوطن والقومية؟ وتحول الانتماء واللواء الى العولمة ومشتقاتها؟
وقال: ان الولايات المتحدة تريد ان يصبح العالم قرية صغيرة لتتمكن من السيطرة عليها من خلال الاتفاقيات السياسية والمعونات فهي تحاول من خلال هذه الاتفاقيات الهيمنة على العالم خاصة الدول النامية ويتم ذلك اما بالترهيب او الترغيب كذلك تتم هذه الهيمنة من خلال انتشار المعايير الاقتصادية والتجارية في العالم كشهادة الايزو والجودة.
وقال : ان العالم النامي يشهد غزوا لمنتجات الدول الغنية ولايستثمر امواله فيها حتى لا تتقدم ويتم ذلك من خلال عمليات التأثير النفسي وغسيل العقول للانبهار بالاسلوب والنموذج الامريكي والغربي على العموم.
واشار قتاية الى ان اوروبا حاليا تسعى للتحرر من الغزو الفكري والثقافي الامريكي.. وان احد السفراء الفرنسيين قال: ان الثقافة الامريكية المفروضة علينا هي نوع جديد من الاستعمار..
وقال ان الافلام الامريكية لا يتم عرضها في دور العرض الاوروبية الا بعد دبلجتها خاصة في فرنسا.. وان الفرنسيين يخوضون حربا من اجل الدفاع عن اللغة والهوية الفرنسية.
واستشهد قتاية بعدة امثلة منها منع استخدام مفردات اجنبية لها بديل في اللغة الفرنسية خاصة في الحوارات الاعلامية وقال: ان الامر وصل الى حد العقوبات لمن يخالف ذلك، وان الحكومة الفرنسية والمنظمات الاهلية تشجع الفرنسيين خاصة النشء على تعلم واجادة اللغة.
واضاف ان فرنسا صدر بها قرار في يناير 2000 بتعديل تدريس اللغة العربية من الكتابة بالحروف العربية الى الحروف اللاتينية وان تقتصر الدراسة على اللهجات العامية والبربرية والشامية وامتحن فيها الدارسون في مايو من نفس العام ولم نسمع اصواتا منددة بالقرار ولا معقبة عليه من قبل الجاليات العربية الموجودة بفرنسا ولا الدول العربية رغم وجود اكثر من خمسة ملايين مسلم.
وشدد قتاية على ضرورة ادراك الاعلام العربي خطورة التحديات التي يواجهها، كما انتقد الرسائل الاعلامية التي تبثها شاشات الفضائيات العربية وتدور حول امور هامشية لاتهم المواطن العربي ولاتدعم هويته الوطنية والثقافية.
كما نادى باعادة التوازن بين الرسائل الاعلامية الجادة والترفيهية المقدمة للمشاهد العربي خاصة ما يتعلق بالحفاظ على اللغة العربية المستضعفة وانتقد الحوارات السوقية في برامج الاذاعة والتليفزيون وطالب بالتشديد على اهمية اجراء حواراتها باللغة العربية الفصحى.
وفي مداخلة ختامية للكاتب والمفكر الفلسطيني عبدالقادر ياسين اكد ان غياب الديموقراطية وانتشار الامية السياسية هما السبب في التبعية السياسية والاقتصادية للوطن العربي حاليا.. وقال: اننا سنحتفل قريبا بموت آخر مثقف عربي مثلما يحتفل العالم بمحو امية آخر امي!!