أخبار متعلقة
يشهد العالم اليوم ثورة شاملة وتطورا متسارعا في مجالات المعلومات جميعها وازديادا كبيرا في حجم المعلومات، فلابد من ضوابط ونظم جديدة تتنافسب وهذا التطور نظرا لما شهدته البشرية في القرون الماضية وتشهده حاليا مع دخول الألفية الثالثة الاكتشافات والإبداعات وجدت الدول والمنظمات والمؤسسات نفسها أمام تفجر علمي حقيقي لابد من وضعه ضمن إطار قانوني يضمن الحقوق. وهذا التطور المذهل هو نتيجة لجملة من المؤلفات اوجدها الفكر البشري بعد سلسلة من عمليات الإيجاد والإبداع. وكان لابد من ضمان حقوق كل صاحب فكرة او نتاج، سواء أكان أدبيا، ام عمليا أم فنيا، فظهر ما يعرف بحقوق التأليف وهو مصطلح قانوني يصف الحقوق الممنوحة للمبدعين في مصنفاتهم الأدبية والفنية ويشمل حق المؤلف أنواع مختلفة من المصنفات مثل المصنفات الأدبية (الروايات، وقصائد الشعر، والمسرحيات) والمصنفات المرجعية (الصحف وبرامج الحاسب وقواعد البيانات، والأفلام) والمصنفات الفنية (اللوحات الزيتية والرسوم والصور الشمسية والمنحوتات) والخرائط الجغرافية والرسوم التقنية ومصنفات الهندسة المعمارية، وهو ما اصطلح عليه "حقوق الملكية الفكرية".
لقد عقدت معاهدات دولية خاصة بحقوق المؤلف وكانت أولى بوادرها في عصر الملكية في فرنسا ثم صدر أول تشريع لحماية حقوق المؤلف بعد قيام الثورة الفرنسية. وتعد معاهدة برن أولى المعاهدات التي وقعت لحماية حقوق المؤلف عام 1886م. وفي العام 1948م وضعت اتفاقية "الغات" التي كانت أكثر شمولية فما يخص الملكية الفكرية.
وفي العام 1971 أنشئت المنظمة العالمية للحماية الفكرية (الويبو ـ WIPO) لتشرف على هذه الاتفاقيات وترعاها. وتعد الحاجة ماسة اليوم أكثر من أي وقت لحماية حقوق الملكية الفكرية وضبطها وتنظيمها والاسراع في انجازها حتى لا ندخل في حالة عشوائية تقودنا الى الفوضى بدل ان تقودنا الى التطور والازدهار. فالعلاقة بين علم المعلومات وحماية الحقوق الفكرية علاقة قوية تجعلهما يكملان بعضهما بعضا لأن المعلومات تهتم بالتحليل والمعالجة والصيانة اما حماية الحقوق الفكرية فهي ضمان قانوني حقيقي للابداعات والاختراعات. هي الابداع العقلي والنتاج الذهني من المخترعات، المؤلفات، الفنون، الرموز، والأسماء، والتصاميم، والعلامات التجارية.. إلخ.
المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو ـ WIPO):
هي منظمة في خدمة المستقبل ـ ستؤدي الملكية الفكرية في القرن الحادي والعشرين دورا يزيد أهميتها على الصعيد الدولي. فأعمال الفكر او الملكية الفكرية مثل الاختراعات والرسوم والنماذج الصناعية والتصاميم الهندسية والعلامات التجارية والكتب والموسيقى والأفلام صار ينتفع ويستمتع بها اليوم سكان جميع قارات المعمورة.
والمنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو) هي منظمة دولية تهدف الى تقديم المساعدة من أجل ضمان حماية حقوق المبدعين وأصحاب الملكية الفكرية في جميع أنحاء العالم، والاعتراف بالتالي بالمخترعين والمؤلفين ومكافأتهم على إبداعهم. وتعتبر الحماية الدولية حافزا يشجع الإنسان على الإبداع ويزيل الحواجز أمام العلوم والتكنولوجيا. وعلاوة على ذلك فان الحماية الدولية تدفع بعجلة التجارة الدولية نحو الأمام حينما توفر مناخا مستقرا من أجل تبادل منتجات الملكية الفكرية.
كيف تدعم الويبو حماية الملكية الفكرية:
تبرز الويبو في إطار الأمم المتحدة، كمحفل ترسي فيه الدول الأعضاء القواعد والمبادىء وتنسقها من أجل حماية حقوق الملكية الفكرية. وتعتمد أغلبية الأمم الصناعية على أنظمة للحماية وضعت منذ قرون ماضية. وفي الوقت الحالي، يعمل العديد من البلدان الناشئة والنامية على صياغة القوانين والأنظمة المتعلقة بالبراءات والعلامات التجارية وحق المؤلف. وأمام سرعة العولمة التي شهدتها التجارة خلال العقد الأخير، تضطلع الويبو بدور رئيسي في المساعدة على تطوير تلك الأنظمة الجديدة عبر ما توفره من مساعدة قانونية وتقنية وتدريب بأشكال مختلفة لاسيما في مجال انفاذ حقوق الملكية الفكرية. وتسهر الويبو على أنظمة التسجيل العالمية في مجال البراءات والعلامات التجارية والرسوم والنماذج الصناعية أيضا.
حماية الملكية الفكرية:
ان قوانين حماية الملكية الفكرية، التي سنتها الدول تعطي للفرد حقا لحماية ما ابتكره، وتمكنه من التصرف به، وتمنع غيره من التصرف بهذا الابتكار إلا بإذنه، وتقوم الدول بصيانة هذا الحق، وتعاقب كل من يعتدي عليه في حياة الفرد وبعد موته بعشرات السنين. والمقصود من الانتاج المبتكر هو الفكر او العلم الذي توصل اليه عقل شخص ما ولم يسبقه اليه احد، ومن أهم هذه الابتكارات المعارف التي تستخدم في التصنيع وانتاج السلع والخدمات.
وبذلك اعتبرت المعارف الفردية مالا قابلا للتملك، لا يجوز التصرف به لمن علمه او تعلمه، إلا بإذن صاحبه أو بإذن ورثته، وفقا لمعايير معينة، فعلى سبيل المثال: فإن اشترى شخص كتابا او "دسك" او "كست" محمية فكريا، فله الحق ان ينتفع بالنسخة التي اشتراها فقط، في حدود معينة كالقراءة او السماع، ويحظر عليه، حسب قوانين الحماية الفكرية، ان ينتفع بها في مجالات أخرى كطباعتها ونسخها لبيعها او المتاجرة بها.
وقد نظم الإسلام الملكية الفردية باعتبارها مظهرا من مظاهر غريزة البقاء، فشرع للمسلم التملك لإشباع هذه الغريزة بما يضمن له البقاء والحياة الكريمة، فأباح له ملكية أكثر الأعيان، كالأنعام والمساكن ومحاصيل الأرض، وحرم عليه ملكية بعض الأعيان كالخمر والخنزير والمخدرات، كما حثه على التفكير وطلب العلم، وأباح له أخذ الأجرة على تعليم الآخرين، وشرع له أسبابا مبيحة للتملك كالبيع والإجارة والإرث وحرم عليه أسبابا أخرى كالربا والقمار وبيع الحصاة.
والملكية في الإسلام بشكل عام هي إذن الشارع بالانتفاع بالعين، اما الملكية الفردية فهي: حكم شرعي مقدر بالعين او المنفعة يضاف الى الفرد، فيمكنه من الانتفاع بالعين وبأخذ العوض عنها. والملكية الفردية في الإسلام لا تثبت إلا باثبات الحكم الشرعي لها، وتقريره لأسباب ملكيتها، فالحق في ملكية الشيء ليس ناشئا عن الشيء نفسه او عن كونه نافعا، وانما هو ناشىء عن إذن الشارع بملكيته بسبب من أسباب التملك الشرعية كالبيع او الهبة.
وقد جعل الإسلام للفرد حقا علي ما يملك، يمكنه من التصرف والانتفاع بما يملك وفق الأحكام الشرعية، وأوجب على الدولة صيانة الملكية الفردية، ووضع عقوبات زاجرة لكل من يعتدي على ملكية الآخرين. ومصطلح الملكية الفكرية الجديد يشتمل على نوعين من الملكية الفردية: احدهما محسوس ملموس كالعلامة التجارية والتصاميم والكتاب، وثانيهما محسوس غير ملموس كالنظرية العلمية او فكرة الاختراع المخزونة في دماغ العالم. فان كانت الملكية من النوع الأول كالتصاميم والعلامات التجارية المباحة، جاز للفرد ان يمتلكها، وان ينتفع بها بالاستغلال او البيع، وعلى الدولة ان تصون هذا الحق للفرد، فتمكنه من التصرف به، وتمنع الآخرين من الاعتداء عليه.
وأما ان كانت الملكية الفكرية من النوع الثاني كالنظرية العلمية وفكرة الاختراع، ولم يكتبها صاحبها على ورق او لم يسجلها على "دسك" او شريط "كست" فانها ملكية فردية لصاحبها، يجوز له ان يبيعها او يعلمها لغيره ان كانت لها قيمة في الإسلام، فان فعل ذلك جاز لمن حازها بسبب شرعي ان يتصرف بها دون قيد من صاحبها الأول حسب أحكام الشرع. وهذا الحكم ينطبق ايضا على كل ما يحتوي على مادة فكرية، علمية كانت او أدبية او فنية او تقنية، فكما له حق قراءتها والانتفاع بما فيها من معلومات، فله حق التصرف بها بالنسخ او البيع او الإهداء، "إلا انه لا يجوز له ان ينسب المادة العلمية لغير صاحبها، لأن نسبتها لغير صاحبها كذب وتزوير، وهما حرام شرعا. فحق احترام الملكية الفكرية حق معنوي، يتحقق بنسبة الفكر الى صاحبه وليس بمنع الآخرين من الانتفاع به إلا بإذنه، وهذا الحق المعنوي يحقق قيمة أخلاقية".
نظام حماية الملكية الفكرية في المملكة:
قد شرعت المملكة من أجل تحسين قدراتها التنافسية على المستوى العالمي، في تطوير وتعديل أنظمة حماية الملكية الفكرية المعمول بها حاليا والتي تشمل مجالات حقوق التأليف والعلامات التجارية وبراءات الاختراع. وقد تم سن نظام حماية حقوق المؤلف المعمول به حاليا في المملكة في العام 1989م بهدف حماية جميع الأعمال الأصلية الأدبية والفنية والعالمية. والمعروف ان مؤلف عمل ما يمتلك حقوق التأليف اذا كان العمل متماشيا مع النظام ويمكن كذلك للمرخص لهم والذين ينتفعون من العمل ماديا المطالبة بملكية حقوق التأليف.
وتتيح حقوق التأليف للمالك الحق الحصري في انتاج العمل والترخيص باستخدامه طوال حياة المؤلف ولخمسين عاما بعد ذلك للأعمال الأدبية. وفي حالة وجود أكثر من مؤلف فان الفترة تمدد لخمسين عاما بعد وفاة آخر مؤلف باق على قيد الحياة. وتم تحديد فترة حماية حقوق التأليف بخمسة وعشرين عاما بالنسبة للأعمال الصوتية والصور الفوتوغرافية والمصنفات والتي تنشر من غير ذكر اسم المؤلف. اما بالنسبة لمهنة العمارة في المملكة فإن هذا القانون يكاد يكون مغيبا عن التطبيق او حتى عن الوجود وذلك بسبب غياب الجهة التي تهتم بتوثيق العمل المعماري.
جرت العادة في الدول الأخرى اللجوء الى القضاء في حالة اكتشاف سرقة فكرية او تقليد تصميم مبنى او واجهة، فكثيرا ما نسمع مثل هذه القضايا في باقي الدول العربية "ذكر احد الزملاء من الكويت كيف ان أحدهم قام برفع قضية عليه عندما اكتشف ان واجهة احد المساكن التي صممها تشبه واجهة مسكنه، كما أكد لي آخر ان نقابة المهندسين في لبنان قامت بإيقاف أحد المعماريين عن العمل عندما قام آخر بشكواه لتقليده احد تصاميمه". وخلافا لما هو سائد فإن المملكة لم تسجل سابقة قانونية او قضائية اثبت فيها مهندس معماري ان تصميمه قد تعرض للسرقة بالرغم من كثرة حوادث السرقة الفكرية، لكن بطبيعة الحال فان عدم تسجيل هذه السابقة لا يعني غياب أبطال وأدوات هذه الجريمة عن مسرحها، فتعريف السرقة في هذا المجال، قد يأخذ مسميات أخرى، مثل: التقليد، والاستنساخ، والتسريب، وإعادة التشكيل والتطوير وغيرها.
فقد ذكر لي احد الزملاء وهو احد الزملاء السابقين في الكلية وقد التقيته بعد ان تعين في احد المكاتب هنا في المنطقة الشرقية كيف انه صمم لأحد الملاك مبنى سكنيا تجاريا وبعد موافقة المالك على التصميم واستكمال المخططات التنفيذية اللازمة عرض المالك هذه المخططات على مكتب آخر لتنفيذها بسعر يناسبه وفي الأخير يتفاجأ زميلي بان نفس المخطط أنشىء وعلى نفس الموقع قد نسب تصميمه الى المكتب المنفذ له، وفي حادثة أخرى حدثت لأخي ان مكتبا من المكاتب الهندسية المتوسطة المستوى المهني يقوم بتنفيذ المباني المسبقة الصب وهي النوعية التي يرغب أخي في تنفيذ مسكنه منها وقد قدم له أخي مخططا من تصميم مكتب آخر لتقييمه فقط، وبعد زيارة له في نفس الموعد المحدد له لتلقي التقييم فوجىء أخي بان مخطط مسكنه قد عرض في المكتب على أساس ان المكتب هو المصمم والمنفذ له، وهنا قد لا استطيع وصف درجة الضيق التي انتابت أخي وهو المالك لهذا المخطط فكيف بالمصمم له.
واذا أردنا ان نكون واقعيين في تقييم المشكلة، فانه يمكننا القول ان ما يحدث هو تكرار او حتى استنساخ لعمل لا توجد له أي حماية لحقوق صاحب الفكرة او المبدع فيه طالما ان التصميم الهندسي لا يملك حق "براءة الاختراع" او لم يوثق لدى جهة معينة، فنحن نتحدث هنا عن مهنة تغيب عنها الأصول والتقاليد، بالاضافة الى انها تعاني في الأصل من القوانين والأنظمة. وهكذا وفي ظل ما يحدث، فإن جدلا كبيرا يدور بين المزاولين لهذه المهنة ونقصد بهم "المهندسين المعماريين" والمتعاملين معهم (أي المقاولين) في كيفية تعريف "التقليد" او "السرقة" وتحديدها وبالتالي اثباتها، ويقول المهندس زهير فايز وهو صاحب أشهر المكاتب الهندسية الاستشارية في المملكة، "لا أسميها سرقة معمارية" فقد يكون أشبه بـ"كسل" لدى المهندسين، معتبرا ان الاقتباس هو أحد أنواع "المديح" لعمل المهندس صاحب المشروع الأول، لكنه يستدرك بالقول "ان التصوير الكامل للشكل المعماري يضر في الغالب المهندس الناقل لاسيما اذا استثمره في مشروع خاسر".
وينقسم المهندسون المعماريون السعوديون الى فئتين، فالفئة الأولى تؤكد وجود هذه الظاهرة بل واستمرارها، مبررة ذلك بأن ارتفاع عدد المشاريع العمرانية وتعدد الأنماط قد يكونان سببا رئيسيا وراء ظاهرة التكرار او الاستنساخ او حتى السرقة، معتبرين ان ملاك المشاريع في القطاع الخاص هم المسؤولون عن تسريب التصاميم وانتقالها بين أيدي مهندسين ومقاولين عاملين في مجالات مختلفة. فبعض الملاك يصممون عند مكتب ويعرضونها على مكاتب او مقاولين لتنفيذ المشروع. اما الفئة الثانية فترى ان المهندسين أنفسهم هم وراء هذه الظاهرة، ويرون انه لا يمكن الفصل في تحديد "السرقة" اذ يمكن ان يحدث انتقال للعناصر الأساسية بين المهندسين أنفسهم وبالتالي حدوث تشابه كبير في النماذج. ان الأغلبية وبنسبة 74% توافق على ان عدم وجود رادع وهو (قانون او جزاء) يشجع بعض المعماريين على تقليد تصاميم الغير لذا "تضيع الحقوق الفكرية للمعماريين ويتطفل المعماري الضعيف على المعماري المتميز دون أدنى رادع فهو يعلم أنه لا يوجد أحد سيحاسبه على هذا العمل".
ولا ندري أنعذر المعماري ام نلومه فالمالك عندما يأتي للمعماري الذي يتوقع منه جاهزيته وتنفيذ المخطط الآن وبسرعة، واذا اعطاه فترة من الوقت اعتبر المالك ان هذه الفترة طويلة والمخطط لا يستحق كل هذا الوقت فالمعطيات فيه سهلة وبسيطة ومكررة في وجهة نظره. والمشكلة انه يريد الجديد كيف يكون ذلك لا أدري؟ لذا تجد المعماري لكي يكسب المالك يعرض عليه مجموعة من المخططات تناسب مساحة موقعه ومتطلبات ويقول له اختر من بين هذه المخططات ما يناسبك وكأنه يختار خامة من القماش. وقد يلجأ بعض المعماريين الى ايهام زبائنهم برسم المشروع عن طريق الكمبيوتر خلال دقائق، وانهم يدخلون المعلومات والقياسات أمامه في الجهاز الحاسب الذي يلبي لهم أفكارهم بسرعة ويرسمها لهم في فترة وجيزة فيما يكون ذلك المهندس قد خزن عددا من الخرائط الجاهزة داخل كمبيوتره وهو يعمل على إظهارها فقط أمام العميل. وفي رأي للدكتور مشاري النعيم ـ جامعة الملك فيصل ـ ان هذه الظاهرة ساهمت وتساهم في تردي جودة وأسعار العمل المعماري في بلادنا وهذا ما يتفق معه فيه المعماريون وبنسبة 89%. وعن وجود فئة من الملاك الذين يطلبون مشاريع هندسية جاهزة ورخيصة او انه أعجبه تصميم معين حصل عليه او شاهده وانها وراء هذه الظاهرة ويذكر احد المعماريين "ان ما يطالبون به من مشاريع جاهزة وبسيطة يعود الى جهلهم بطبيعة العمل الهندسي وما يقدمه من خدمات هامة للمشاريع". حيث ان "هذه المباني الرخيصة تحمل مواصفات غير قياسية وثابتة، وتنفيذها على الواقع يعرض المبنى مستقبلا الى السقوط لدى تعرضه لأضعف العوامل الطبيعية" متوقعا حدوث ذلك لكثير من المباني التجارية ذات التراخيص السهلة.
ويذكر مهندس آخر ان "ما تمنحه إدارات البلديات من اختام وتراخيص للمكاتب الهندسية بكمية معينة يدخل في مسببات تداول التصاميم" حيث ان "لكل مكتب معماري عددا محدودا من المشاريع يقوم بتنفيذها في العام الواحد مما يدفع بعض المكاتب التي تحمل تراخيص أكثر من حاجاتها الى بيع مجموعة منها او نسبة من مشاريعها الجاهزة الى مكاتب هندسية أخرى وذلك من أجل انفاذ هذه المخططات الموجودة بحوزتهم مقابل أسعار زهيدة، فالمشاريع المباعة والجاهزة غير متعوب فيها ولا تحمل مواصفات هندسية متوافقة في البناء" ويعتبر بعض المعماريين ان عاملي ضيق الوقت، والأجر الذي لا يتناسب مع الخدمة المقدمة من قبل المكتب لا يقفان حاجزا او عائقا أمام المهندس ليقدم عملا ابداعيا فليس المطلوب من المعماري ان يقدم الجديد وان يخترع العجلة في كل مرة وليس المطلوب منه ان يأتي بالجديد دائما هذا ما أكده كثير من نقاد العمارة الذين قالوا ان المعماري لا يستطيع ان يقوم بصناعة الجديد كل مرة ولكنه يستطيع ان يعطي الاحساس بالجديد حتى لو تعامل مع عناصر وأفكار سبق له استخدامها.
ولذلك نجد بعض المكاتب المعروفة والكبيرة التي تخصص لنفسها هوية استثنائية في طريقة أدائها المعماري، وهذا الطابع هو سمة تميزها عن غيرها من المكاتب، فيما تبدو أعمالها في النهاية متماثلة وذلك حصيلة لمجموعة من الأفكار المتتابعة والتكوينات المتشابهة والمتقاربة لكثرة التمازج في المكملات الخارجية للعمارة نفسها والتي توحي بنكهة خاصة دالة على مكاتبهم.
ان أغلبية المصممين يشعرون بالضيق عندما يرون احدا يقلد تصاميمهم وربما ينمي هذا الشعور باليأس والتعب مما يجعلهم ينجرفون مع تيار المعماريين الذين يقدمون تصاميم جاهزة مما يؤثر على نوعية وجودة العمل الذي يقدمه المعماري نفسه للمالك، وهذا يدل على ان انتهاك حقوق الملكية الفكرية لا يقف عند كونه مشكلة مهنية بل هي مشكلة اخلاقية على اعتبار ان الضرر هو ضرر معنوي يصيب المعماري أكثر منه ضرر مادي، وان المشروع المباع تنتقل مسؤوليته من المعماري الى من يدفع ثمنه. وعلى الشكل نفسه تبين لنا نسبة لا بأس بها لا يرون حرجا في تقليد تصاميمهم ويرون ذلك يدخل في باب المديح لما صمموه ولكن هناك غموضا في الموضوع، فمن الذي يعلم ان هذه الفكرة منسوبة اليهم؟ إلا فئة قليلة هي المحيطة بهم. وقد شدد كثير من المعماريين على ان هناك حاجة ملحة في ايجاد جهة توثق العمل المعماري وتنسبه الى صاحبه على الأقل للحفاظ على الحق المعنوي للمعماري مما يحفزه ويشجعه على ايجاد وتطوير الجديد دائما فالبرغم من وجود لجنة سعودية لعلوم العمران إلا انها لا تفضل التطرق لمثل هذه المشاكل فالسرقة موجودة في كافة المجالات.
ان من أسباب وجود ظاهرة التقليد هو غياب الجهة التي تهتم بتوثيق العمل المعماري كما أسلفنا في البداية لتقوم بسن نظم وتشريعات تحافظ على الحقوق الفكرية للتصميم المعماري وهذا ما أكد عليه كثير من المعماريين الكبار في المملكة في تصريحاتهم في الندوات والمقابلات الصحفية ويطالبون بإنشاء جمعية رادعة تحمي إبداعات المهندسين وتحفظ لهم ملكياتهم الفكرية. كيف يتم ذلك وليس هناك تنظيم للمهنة أساسا فاللجنة الهندسية تعيش حالة من الخلل التنظيمي "والذي أراه ان اللجنة لا يوجد لديها الرغبة في تطوير المهنة ولا حتى في مناقشة الآخرين من أجل تحقيق هذا الهدف"، ويضيف الدكتور مشاري النعيم وهو عضو في اللجنة الهندسية لعلوم العمران، "مثلا لو سألت احد المسؤولين في اللجنة الهندسية عن هذه القضية ستجد اجابات ليس لها علاقة بالموضوع وان ضيقت عليه الخناق تعذر بالامكانات المتواضعة للجنة، لذلك فان المعوقات التنظيمية التي تعيشها المهنة الهندسية في بلادنا ليس لها حل في الوقت الحاضر، فهي تائهة بين وزارتي التجارة واتحاد الغرف التجارية الصناعية السعودية وما علينا إلا ان ننتظر حتى تتغير ظروف اللجنة الهندسية التي لن تغير أبدا".