تخطىء تركيا اذا تصورت انها ستنجح في تأمين امنها المفقود عن طريق استغلال أي هجوم امريكي محتمل ضد العراق لاجتياح المناطق الكردية في شماله. فالاجتياحات العسكرية لم تؤكد يوما انها وسيلة عملية لتأمين الأمن وحفظ المصالح وتثبيت الاستقرار الداخلي والاقليمي لاي من الدول.
ابرز الادلة في هذا الخصوص هو نتائج الغزو العراقي لدولة الكويت، ونتائج الاجتياحات (الاسرائيلية) المستمرة للمناطق الفلسطينية اضافة الى نتائج الاحتلال الايراني للجزر الاماراتية الثلاث، وهو الاحتلال الذي يمثل جرحا غائرا في العلاقات الايرانية ـ العربية منذ نحو ثلاثة عقود.
وتخطئ انقرة ايضا اذا تصورت ان أي مغامرات عسكرية جدية وخطرة تقوم بها في شمال العراق، ستواجه من قبل الولايات المتحدة والمجتمع الدولي والاقليمي بالشكل الذي تواجه به هذه الاطراف مغامرات اسرائيل العسكرية واجتياحاتها المتكررة للاراضي الفلسطينية.
والفرق في هذه الحالة ليس في ان واشنطن يهمها مستقبل العراق اكثر من مستقبل فلسطين، انما الفرق ان الولايات المتحدة ترى دائما ان تحالفها الاستراتيجي مع اسرائيل اعمق اثرا وارسخ بقاء واشد ضرورة من أي تحالف استراتيجي مع تركيا.
لكن المشكلة ان تركيا التي تشترك مع اسرائيل لا في تحالف عسكري فحسب بل حتى في كون سياستها تدار من قبل مؤسسة عسكرية متزمتة، لا تنظر الى الموضوع من هذه الزاوية، بل تعتقد ان واشنطن ستسمح لها بما تسمح به لـ(اسرائيل) وهذا عين الخطأ الذي ترتكبه انقرة في تطلعاتها الى ضم شمال العراق الى كيانها، كما تبين ذلك من تصريحات وزير الدفاع التركي صباح الدين تشقماق اوغلو قبل ايام، او الى اجتياح المنطقة الكردية العراقية بهدف نشر نفوذها في ارجائها واستخدام ذلك لضمان نفوذ واسع لها في عراق ما بعد نظام الرئيس صدام حسين.
تعتقد الدولة التركية ان دورها في تطويق دول تتهمها واشنطن بدرجات مختلفة بالارهاب: ايران وسوريا والعراق يفوق في اهميته الاستراتيجية دور (اسرائيل) لان الاخيرة تتاخم احدى الدول الثلاث (سوريا) بينما تركيا تتاخم الدول الثلاث جميعها.
ويشعر الساسة الاتراك خصوصا في مؤسسة الجيش، بان دورهم سيكون اساسيا في أي حرب امريكية مقبلة ضد العراق، مقارنة بالدور الاسرائيلي، كما يعتقدون بان كون دولتهم اسلامية من ناحية الاغلبية السكانية، يعطي بلادهم ميزة كبيرة اخرى على (اسرائيل)، وهي القدرة على اداء ادوار لمصلحة امريكا في مناطق يصعب على اسرائيل، ان تؤدي فيها أي دور في افغانستان والبوسنة ودول مناطق اسلامية وعربية اخرى في العالم.
الى ذلك ترى تركيا انها تتميز عن اسرائيل في الحسابات الامريكية كونها دولة كبيرة ومترامية الاطراف ذات خصائص جغرافية وجيوسياسية كبيرة لا اقلها قربها الى آسيا الوسطى وخزينها النفطي الهائل والى روسيا التي بدأت تنهض من رقادها.
الخليج الاماراتية