لست أريد في هذه العجالة أن أكتب عن الوطن ذلك الحب الكبير الذي تاهت فيه روائع الشعراء وتعابير العلماء، فتحول إلى معنى ترف به القلوب وتمجده العقول ولكن البيان يقصر عن استيعابه .
وكم هي معبرة تلك الصورة التي نقلها لنا التاريخ عن سيد الأنبياء محمد (صلى الله عليه وسلم) وهو يعاطي وطنه الحب حيث يسأل أحد الركبان القادمين من مكة: كيف تركتم مكة ؟ فأجابه عن حال مكة، فيستقبل الرسول الكريم ذكرى الوطن بدموع العشق والوفاء اجل لست هنا في هذا الصدد بقدر ما أنا بصدد استلهام يوم من أيام وطني الغالي وهو اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية . ولست أبالغ إن قلت إن مقالي هذا لن يفي لمعنى من المعاني الرائعة التي يمكن استلهامها في هذا اليوم وهو الوحدة والتوحيد هذا المعنى الذي قدسته الرسالات الإلهية واستهوى المفكرين واستشعر فيه الإنسان بأمنية تلبي متطلبات إنسانيته وطبيعته .
ويكفي هذا المعنى فخراً انه تحول الى شعار لكل نهضة يحلم روادها بمستقبل افضل وهو حلم سعيد تستشرفه الشعوب في كل بقاع الدنيا وهو بعد قانون يعني تجاوزه الفشل في رأي القرآن الكريم (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) .
الأمر الذي حدثنا عنه التاريخ في ملفات دامية كحرب البسوس وداحس والغبراء وغيرهن من الأيام الدموية التي كانت هذه الأرض المباركة مسرحا لها وإطلالة عابرة على التاريخ شاهد على الفشل المرير لتشرذم ونبذ التوحيد الذي أشار له القرآن الكريم وإنني إذ استلهم هذه الدرة الرائعة من درر ذلك العقد الذي يطوق جيد وطننا الغالي الذي أبدعت سبكه مهج الرواد الاوائل من الملك المغفور له عبدالعزيز ورفاقه وغيرهم من صناع التاريخ أشير إلى ثقل المسؤولية التي يتحملها مواطنو هذا البلد الطيب للحفاظ على هذا الإنجاز الذي يستحق البذل وكم هو جميل الموقف الذي يسطره التاريخ لأحد الصحابة الكرام الذين ربتهم روح النبي صلى الله عليه وسلم وآله وهو حجر بن عدي الكندي حيث يرخص النفس فيسلمها لوالي الكوفة وقد كان صعب المنال عليه لما أوكل أمر القبض عليه لرجل من أبناء قومه وهو محمد بن اشعث الكندي إكباراً لوحدة عشيرته وقومه . اجل ينبغي أن نحافظ على هذا الإنجاز الحضاري بل وان نبني عليه وهذا يتطلب الكثير على مستوى الكلمة والموقف والسلوك كل بحسبه لتكون أداة خلاقة ولنجعل من هذا التوحيد رافدا نستثمره وصانع أمل نستشرفه وتراثا تتلقفه الأجيال من أسلافها بكل فخر وإكبار .
إمام مسجد الرسول بمدينة الهفوف *