ساهمت الاحتفائية الاعلامية الكبيرة بشكل كبير في استنفار مشاعر لم تكن مغيبة اطلاقا.
هذا الزخم الاعلامي ساهم في تكثيف وارتفاع حرارة المشاعر حماسا متقدا في مناخات بهجوية ومن المؤكد ان توجها كهذا ساهم في خلق الكثير من الايجابية التي بدا لي استثمارها في خلق فرز نوعي يتداخل بعمق اكثر في تحقيق وصياغة مفاهيم عملية نحو صياغة لغة الخطاب الاعلامي ووصوله الكبير لكافة شرائح المجتمع.
ان المواطنة وذكرى اليوم الوطني والمواطنة بمفهومها السائد ولاء وانتماء مشاعر متجذرة واصيلة ولعل اقرب الامثلة واخرها هو ماحدث في ازمة الخليج.
تدافع الناس عبر وسائل الاعلام للتعبير عن مشاعر الولاء والفداء وساهموا في خلق مناخ تعبوي مدهش مثلما تدافعوا على مراكز التطوع والتجنيد بشكل جعل قوائم الاحتياط تتجاوز اعداد المقبولين عدة مرات.
بالتأكيد هذا منجز حضاري يبرهن بلغة واضحة الدلالة على ملحمة الشعب والقيادة في استثنائية متفردة وتأكيد خصوصية سعودية بكل المقاييس.
لعل من المناسب ونحن نتعامل مع اليوم الوطني بهذه الحقيقة اننا اصبحنا بحاجة لتناول المواطنة كسلوك حضاري وتكثف المكينة الاعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية هذا التوجه هو ما اشرت اليه سابقا باستثمار خلق الفرز النوعي في لغة الخطاب الاعلامي.
الموظف في عمله.. يقبض راتبا مقابل هذا الاداء الوظيفي ولكن ذلك لن يكون حافزا موازيا مالم يكن ضمير المواطنة يقظا ومتجددا باستمرار في تعميق للمواطنة كسلوك حضاري.
التعامل مع منجزات التنمية بكافة اشكالها بدءا بالمنشآت العامة والميادين والحدائق والمحافظة عليها وانتهاء بمفهوم صيانة التنمية.
مساندة الاتجاه الوطني الكبير الذي تقوم به وزارة الداخلية لمواجهة العمالة المتخلفة ومخالفي انظمة الاقامة.. لعل ابسط صورة ولا اقول اضعف الايمان بها ان يبدأ المرء بنفسه والمواطن كما يشير سمو وزير الداخلية دائما هو رجل الامن الاول وقد نجحت وزارة الداخلية في تعميق هذا المفهوم ونحن نقرأ ونسمع عن مبادرات متعددة كان المواطن فيها حقيقة "رجل أمن برتبة مواطن"..
ولو بدأ كل واحد منا بتصحيح وضع عمالته بدءا بالعاملة المنزلية والسائق الخاص وانتهاء بالنشاط التجاري بكل اشكاله.
اجزم ان في ذلك تحقيقا تفعيليا لمفهوم المواطنة بكافة اشكالها.
قطع الاشارة في نظري هو انتهاك صارخ لمفهوم المواطنة كسلوك حضاري في تأكيد سلبي على اننا نخشى رجل النظام لكن لا نحترم هذا النظام بمعنى انه في حالة وجود سيارة الامن او رجل الامن نتوقف تلقائيا فيما تسري اللامبالاة في حالة عدم وجود رجل الامن.
بالتأكيد لن يستطيع الامن العام ان يوجد سيارة امن خلف سيارة كل مواطن لتقويم سلوكه ولكن اذا استطاع الاعلام اعادة صياغة لغة الطرح وفتح آفاق التفعيل والخروج بها من اساليب الوعظ سيتحقق الكثير ويمكننا ان نقيس على هذه النماذج ممارسة التدخين في اماكن منعه وترشيد الكهرباء والماء.. الخ..
هنا لا يكفي ان نضع لوحة تحذيرية في كل مكان لكن وجود ضوابط معيارية لضمان هذا الاتجاه التحذيري هو ماسيحقق النتاج المأمول لاتخاذ المواطنة كسلوك وكهدف في حد ذاته تنطلق منه واليه المشاريع الكبيرة في ربط المواطن والمجتمع بكافة شرائحه بالهم التنموي وضرورة المشاركة وتجاوز الطرح التنظيري الى واقع عملي.
وهو بالتأكيد هدف لا يكفي لتحقيقه ان نمارس طرح سؤال مستهلك تتورم اجابته بلغة انشائية بحتة أعني السؤال المكرر.
ماذا يعني لك اليوم الوطني؟
هو يعني الكثير ويعني اوجها متعددة من المشاركة الوطنية الفاعلة على مختلف الصعد والمدارات.
انا لا اقصد التقليل من قيمة السؤال لكن طريقة الطرح المباشرة والسطحية قد لا تؤدي الى نتيجة اذا لم نتجه الى ربطه بمفاهيم وصياغة متجددة لهذه المواطنة اجتماعيا واقتصاديا وامنيا وثقافيا.
الجانب الاجتماعي في شخصية الملك عبدالعزيز
لا شك ان الملك عبدالعزيز قائد عسكري فاتح بكل ما تحمله الكلمة من معنى. بنفس القدر هو السياسي المحنك الذي تجاوز بفطنة رجل الصحراء الجوانب المغامرتية في مزالق سياسية كان العالم يمور بها وهو يعلن توحيد اكبر دولة في جزيرة العرب.
ربما الجانبان العسكري والسياسي للملك عبدالعزيز قد نالا جزءا لا بأس به من اهتمام المؤرخين والباحثين ولكن هذا القدر من الاحتفاء لم يتوفر للضلع الثالث والمهم الذي تميز به الراحل الكبير وهو الجانب الاجتماعي او الجانب الانساني بشكل اعم.
تفتقر المكتبة العربية الى توثيق هذه الجوانب ونحن ابناء هذا الوطن تختزن ذاكرتنا الشفوية الكثير من المواقف.. وهو القائد الذي لم تشغله مهام توحيد البلاد ومراحل تشكل العالم الدقيقة آنذاك عن الجانب الانساني سواء في مناصرة الدول العربية التي كانت تناضل انذاك لنيل الاستقلال ومواقفه المشهودة قبل ان تتفجر ينابيع النفط بين يديه.
او على المستوى الداخلي وهو يجد الوقت الكافي ليصطحب بعض مرافقيه "ليزور" بيوتا معينة يعرفها جيدا ولم يغفل عنها لينقل لهم المال والغذاء والكساء ويباشر ذلك بنفسه. ان خاصية انسانية بحتة كهذه لم يتوفر عليها قائد عسكري او سياسي في اي مكان في العالم مثلما توفر عليها وقام بها الموحد العظيم.. وهو ماتشهد به ذاكرة التاريخ في الكثير من الشخصيات العالمية القريبة من سمات الملك عبدالعزيز الذي امتاز عن الآخرين بجانب اجتماعي مازال يحتاج الكثير من الجمع والرصد والتحليل وفاء لسيرة عظيمة تزداد مع الايام نماء في تكاملية البناء الاسري والاجتماعي الذي مازال يترسخ في ابنائه من بعده في تولي مساحات المسئولية بذلك القدر الاجتماعي المبهج في تعاملهم فيما بينهم وبين شعبهم المخلص.
اعتقد ان هذا الجانب.. هو ما نحتاج تأصيله والعمل عليه في خطابنا الاعلامي حتى لا نفقد هذه الخاصية الاستثنائية في زخم ماديات الحياة واطروحات العولمة والثقافة الكونية والمواطن الأممي.. ولا يعني ذلك رفضا لهذه الاتجاهات لكن دون ان تفقد معها حميمية التواصل الاسري وخاصية التفرد الاجتماعي بدءا بمؤسسها الكبير الملك عبدالعزيز ـ طيب الله ثراه ـ.
أخيرا
دمت ياوطن الخير اشراقة متجددة يتواكب فيها بناء الانسان وبناء الاوطان في ثنائية ترتكز عليها محاور التنمية النهضوية في خططها الخمسية المتلاحقة التي ساهمت في رسم استراتيجية وطن ينهض من بدايات التأسيس وملمح الخيمة والحصان الى معانقة النهضة الحضارية بكل معدلاتها العالمية.
الـ (72) عاما الفائتة اقل بكثير من ان تقاس بها.. اعمار منشآت تعليمية او صناعية في بلد من بلدان العالم ولكن هي في حسابات البناء السعودي عمر حقيقي لمرحلة بناء متكاملة اختصرنا منها الكثير من حسابات الاستراتيجيات المعتادة في عمر الدول لتصبح بلادنا شريكا مهما في الحضور الكوني على كافة الصعد والمدارات بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الامين وسمو النائب الثاني.. وكل رموز وقيادات هذا البلد الملحمي المتوحد.. قيادة وشعبا..
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين..
*امارة منطقة تبوك