قبل عقد من الزمن اشتركت في حلقة نقاش علمية في جامعة "درم" الانجليزية، وكان محور النقاش حجاب المرأة المسلمة.
افتتح د. بندلي استاذ علم الاجتماع في تلك الجامعة الحوار بقراءة بضعة سطور من كتاب يصف فيها المؤلف احدى المدن بانها شديدة القذارة، وشوارعها مليئة بالطين والاوساخ وطرقها غير معبدة، والناس فيها يتغوطون ويبولون في العراء قذرة واظافرهم طويلة وثيابهم رثة ولا توجد بالمدينة حمامات عامة.
وسأل د. بندلي المشاركين في حلقة النقاش: عن المدينة والشعب الذي ينطبق عليهما الوصف السابق؟
تعددت الاراء بين كلكتا ودكا وبعض المدن الاسيوية والافريقية. وكان الجواب ان هذا الكتاب الفه احد الرحالة العرب من سكان قرطبة قام بزيارة لمدينة في (لندن) في القرن العاشر للميلاد ووجدها واهلها على تلك الحالة المزرية مقارنة بمدينة قرطبة التي كانت (درة المدائن) في عصرها من إنارة الشوارع والبيوت بقناديل الزيت، والطرق المعبدة والحمامات العامة، والمدارس وبيوت العلم المنتشرة والحركة التجارية والزراعية المزدهرة، مفارقة غريبة ولكنها كانت واقع الحال انذاك.
كانت تلك القراءة وما تبعها من نقاش مقدمة للدخول في موضوع حجاب المرأة المسلمة هل يدخل ضمن الحرية الشخصية للمرأة؟ وهل يشكل عائقا تنمويا ويحد من مشاركة المرأة في العمل؟
كانت مداخلتي تقوم على وجوب تفهم الاخرين لمسألة لباس المرأة الشرعي وانه جزء من الدين الاسلامي.
ان كل مجتمع في العالم له منظومته القانونية وقواعده الاخلاقية التي يلتزم بها وتحدد مجالات الحريات العامة فيه ومنها مسألة الحرية الشخصية ولباس المرأة. ذكرت لهم ان الراهبات يلبسون لباسا شديد الشبه بالحجاب من تغطية الرأس وطول الثياب وهن يحظين بالاحترام والتقدير بينما حجاب المرأة المسلمة موضع شك وجدل، هل الالتزام بالتعاليم النصرانية او اليهودية يدخل ضمن احترام حرية العقيدة بينما الالتزام بتعاليم الاسلام جمود وتخلف. وتساءلت هل المرأة الغربية لديها الحرية المطلقة في لبس ما تشاء؟ ام ان الحرية نسبية وهناك قيود على لباس المرأة الغربية في الاماكن العامة؟ واذا خالفت الذوق العام او القانون في لبسها فإنها قد تخضع للمساءلة او المحاكمة؟
قاطعني احد المشاركين الغربيين وقال:
المرأة الغربية والرجل الغربي يستطيع ان يلبس ما يشاء في أي مكان وفي أي وقت! فرددت عليه متسائلا: هل تستطيع ان تمشي في قاعة الجامعة بملابسك الداخلية؟ ورد الدكتور بندلي ضاحكا: اذا فعل ذلك فقد نضطر لفصله من الجامعة.
ادهشتني مداخلة احدى المشاركات من الولايات المتحدة حيث قالت: ان من الخطأ الفادح تعميم النموذج الغربي الليبرالي على المجتمعات الاخرى. ان هذه المجتمعات قد سبقتنا مساهمتها في بناء الحضارة الانسانية ولديها تراث اجتماعي جدير بالاحترام. انها شعوب لها دياناتها واخلاقها وعاداتها ولا يمكن ان تنهض هذه الامم إلا من خلال نموذجها الحضاري الخاص بها. انتهى كلامها. اقتنعت باهمية الحوار العلمي والمجادلة بالحسنى التي هي من خصائص ديننا الحنيف واسلوب غير مباشر للدعوة.
اعتقد ان الحوار مع الغرب احد الوسائل الهامة التي اغفلناها لفترة من الزمن واتت احداث 11 سبتمبر من العام المنصرم لتوقظنا على وجوب استمرار الحوار من خلال الفهم الصحيح والواعي لديننا الحنيف ومقاصده الكبرى.
فهل نعي اهمية الحوار والتواصل وبناء جسور الثقة وايضاح الصورة المشرقة للاسلام كدين وحضارة. ام اننا تعودنا ان نصحو قليلا ونغفو كثيرا.