يثير تقديم مروان البرغوثي، أحد القادة البارزين للانتفاضة، إلى القضاء الجنائي، غضب ومعارضة العالم كله، لكنه يعتبر في إسرائيل أمراً مرغوباً فيه، بل وحتمياً. من الواضح للجميع أن المقصود ليست محاكمة جنائية عادية. وحسب البرغوثي نفسه، فإن المصطلحات الجنائية - لائحة الاتهام، شهود النيابة وشهود الدفاع، الخ - لا تنتمي إلى هنا. أحقاً؟
لا يمكن فصل محاكمة البرغوثي عن سياقها السياسي - الثقافي. فمنذ 35 عاماً، يقبع الشعب الفلسطيني في المناطق المدارة تحت طائلة حكم إسرائيلي عنيف. في مثل هذا الوضع، يدعي البرغوثي، انه عندما تتحول حياة ملايين البشر إلى جحيم، فإن من حقهم الطبيعي والأخلاقي القتال دفاعاً عن حريتهم واستقلالهم.
وتدعي النيابة أن المقصود هو شخص نفذ أو بادر إلى عمليات قتل داخل إسرائيل، ولذلك يجب محاكمته حسب القانون الجنائي الإسرائيلي، وأن عقوبته، في حال إدانته، تساوي عقوبة إنسان تورط في عملية قتل على خلفية شجار على موقف سيارة. ويرد البرغوثي على هذا الادعاء قائلاً إن المرجعية القانونية ذات الصلة بهذا الشأن هو الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي صادقت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948، ويعتبر منذ ذلك الوقت ركيزة للقانون الدولي. ومن هنا، يحكم البرغوثي بأن من يجب تقديمهم إلى القضاء بالذات، هم وزراء الحكومة الإسرائيلية، الذين يخرقون القانون الدولي، بحكم مسؤوليتهم عن السلطة المستبدة بالفلسطينيين في المناطق.
البرغوثي يحارب سلطة الاحتلال الإسرائيلي التي تقصف الجمهور المدني بالطائرات وبالمدفعية الثقيلة، وتقوم باعدام مئات المشبوهين وأبناء عائلاتهم عبر عمليات الاغتيال المركز، وتعتقل الآلاف دون تقديمهم إلى القضاء، وتهدم المباني وتدمر الأملاك بشكل مكثف، ولا تدفع التعويضات، وتقوم، مؤخراً، بتجويع وإذلال المدنيين. وبناء عليه، سيكون محقاً عندما سيقول لكل قاض في إسرائيل: انا أحارب من أجل حرية ووطن الشعب الفلسطيني، وأنا لا أؤمن بصلاحيتك بمحاكمتي، كونك تمثل الشعب المحتل.
لا يمكنني كإسرائيلي وكرجل قانون، أن لا أوجه، أنا والبرغوثي، السؤال التالي: رغم كل ما تقوم به إسرائيل، هل هناك أي مبرر لقتل الأبرياء اليهود، الذين تنحصر خطيئتهم كلها في كونهم ينتمون إلى الشعب المحتل؟ بالنسبة لي لا يوجد أي مبرر في العالم يجيز قتل المدنيين. قلبي يتمزق ألماً على جميع قتلى الإرهاب والعائلات التي فقدت أعزاءها. وعلى كل من فقد الأب أو الأم، أو الابن أو الابنة، أو عاش مأساة ليس هناك أقسى منها. الموت هو كارثة شخصية لا عزاء لها ولا دواء. ولا حتى في مثل هذه المحاكمة التي تعدها إسرائيل للبرغوثي. إن رأي البرغوثي في هذا الصدد، لا يختلف عن رأي غالبية الإسرائيليين أو الفلسطينيين. إنه يعود ويكرر بكلمات واضحة، معارضته لقتل المدنيين. ويقول إن القتل في الجانب الأول لا يؤدي إلا إلى مزيد من القتل في الجانب المقابل، وهكذا يتكرر الأمر لا سمح الله. لن تتوقف دائرة الدماء التي تحتضن القتلى الإسرائيليين والفلسطينيين إلا عندما يحظى الشعب الفلسطيني بحريته في دولته. ومثلما أوقف مناحيم بيغن واسحاق شامير الإرهاب ضد البريطانيين عندما أصبحت لهما دولة، هكذا سيحدث مع الشعب الفلسطيني. يقول النبي زكريا لقد أحبوا الحقيقة والسلام ، ويذكرنا بأن الحقيقة تسبق السلام، بمفهوم العدالة والمنطق. إن الشرط الأساسي والحتمي للسلام لا يكمن في إجراء محاكمة جنائية لهذا المسؤول الفلسطيني أو ذاك، وإنما في تحقيق العدالة والمنطق من خلال إقامة دولتين للشعبين (لا إتفاقيات مرحلية ولا كانتونات).
عن يديعوت أحرونوت