مساء الثلاثاء قبل الماضي انعقدت ندوة عن مستقبل المسرح في المملكة بمقر فرع جمعية الثقافة والفنون بالدمام. اشترك في هذه الندوة القاص والمسرحي: عبدالعزيز الصقعبي بورقة سماها (المسرح ومأزق الحوار).. والدكتور مبارك الخالدي بـ : (هاملت ومستقبل المسرح في المملكة).
ولان الاستاذ الصقعبي مختص بالمكتبات والمعلومات فقد سيطرت على ورقته الاستقصاءات والاستشهادات عن المسرح السعودي في الكتابة العربية والمحلية, سواء تلك التي تنشر في الكتب او الصحف او المجلات, او حتى تتناقلها وكالات الانباء. وبدا (مهموما) برأي الآخر العربي ونظرته الدونية الى مسرحنا. في الوقت الذي يبدو فيه الصقعبي يائسا حتى العنق من انتشال المسرح السعودي من وهدته المزمنة ويرى الا شيء يدعو الى التفاؤل, واقتباساته من افواه المسرحيين في الندوات تعزز هذه النظرة وتحرض عليها والتي تحصي العوائق المانعة لان يكون لدينا فعل مسرحي حي ومستمر. وربما اهم نقطة في ورقة الصقعبي هي تلك التي ارتفعت عنوانا للورقة (مأزق الحوار) أي ان جذور المشكلة متشابكة في الشأن الثقافي والاجتماعي والتربوي ذي اللون الواحد الذي لايستوعب الاختلاف ولا التعدد. ان مجتمعا يفتقد نعمة الحوار. لا يمكن ان يثمر لديه المسرح, ان اثمر, الا الثمار الفجة المزروعة بغير ارضها, ولن تكون اكثر من (حوسة)!!.. ومن هنا اصرار الصقعبي على مسألة منح انفسنا القدرة على الحوار بشكل حضاري, ووقتها يصح لنا (ان نحتفل بأن لدينا مسرحا).
اذا كانت ورقة الصقعبي منخرطة في التفاصيل والتدقيق وبها هبة من الانفعالية ازاء الآخر وازاء الذات. الا ان ورقة الدكتور الخالدي اخذت لنفسها مسافة آمنة تبرد فيها المشاعر وتحسن فيها الاحاطة بكامل المشهد المسرحي المحلي في تخلقه التاريخي او في اضطرابات الحياة الآن. واحسب ان مقعد المشاهد وكرسي المراقب نفع الخالدي, وبالتالي نفعنا, في الوقوف على ما أسماه في ورقته (غيابات) المقومات الاساسية لتشكيل حركة مسرحية ينتظم في افقها الممثل المدينة/ الجمهور/ المؤسسة على نحو يغدو فيه المسرح جزءا من النسيج الثقافي والفكري للمجتمع, ومكونا في صوغ جسد يريد ان ينطق بالثقافة والمتعة والمسرات.
يقيم الخالدي صرح ورقته على استعادة من هاملت شكسبير حين ينصب المصيدة لمعرفة سر قاتل ابيه في قالب تمثيلي يستعيد الحادثة بمؤشراتها الحقيقية. يعدد الخالدي شروط اللعبة/ المصيدة في : النص, الممثلين, الجمهور, الثقافة والذائقة المسرحية.. وهنا نشير الى نجاح الورقة في موضوعها حين انبنت بحدث مسرحي شكسبيري, يتصعد معه تأمل حالنا المسرحي جراء الاحترازات الاجتماعية والاخلاقية والمفارقة في استقبال المدينة للمجمعات التجارية وصالات بناء الاجسام (!) في حين تعجز معدتها الاجتماعية عن هضم المسرح. والى ضياع هذا المسرح في ان تحتمل امره جهة تقوم به من رأسه بدلا من أن يكون ملحقا في العربة الخلفية في قطار الرياضة والشباب.. يتصاعد تأمل حالنا المسرحي الى افتضاض سؤال الكينونة للمسرحيين الهمالتة في السعودية : يصبحون او لا يصبحون؟ ذلك هو السؤال؟
.. ونصبح جميعا على وطن يضج فيه الفعل المسرحي.