عاشت المملكة وطنا لحمة واحدة منذ تأسيسها على السمعة الحميدة التي أرسى قواعدها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود ـ طيب الله ثراه ـ ناشرة العلم والصحة ومحاربة الجهل والتعصب بكل صوره، قاضية في طريقها على الظلم والتعدي والقهر باسطة سبل العيش الكريم والأمن والسلام في كل الأرجاء دون استثناء في عهد ندر شبيهه على مستوى النماذج السياسية العربية في العالم الحديث، وهذا لم يتأت إلى بفضل الله عز وجل الذي سهل على موحد الوطن سبل تحقيق الأهداف النبيلة التي سعى لها ومن ضمنها: (جمع الشمل وأمن الأوطان).
فعاش الآباء والأمهات لا يعرفون شيئا يذكر عن قضايا التفجيرات والإرهاب والاختطاف والمخدرات والتهريب والقتال الخارجي إلا من خلال الوسائل الإعلامية من فترة إلى أخرى.
أما جيلنا الحاضر فقد بدأ في التغير منذ بزوغ بعض التوترات في عدد من الأقطاء العربية والاسلامية وظهور مصطلحات وجماعات وأيدلوجيات وتقسيمات ومظاهر لم تكن معهودة من قبل.
فما الذي حدث؟
وماذا تغير؟
لعل هذين السؤالين البالغي الأهمية واللذين طرحهما سمو سيدي صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود وزير الداخلية ـ حفظه الله ـ عقب استقباله مجموعة الكوماندوز التي قضت على محاولة اختطاف طائرة سعودية من مطار الخرطوم الأسبوع الماضي بعد أن شهر قطعة من السلاح وأصاب أحد أفراد المجموعة بعيار ناري في يده.
فما الذي حدث في عقل ونفسية ومخيلة بعض الشباب الذين يمثلون أكثر من نصفه الذكوري بحيث يصدر من أفراد محدودين منهم جرائم سرقة المنازل والبنوك والسيارات والمشاركة بأعمال قتالية خارجية إلى أن وصلنا إلى مرحلة اختطاف الطائرات وكأن 11 سبتمبر يعيد نفسه، فلم يكفهم العبث والفساد في الأرض، بل امتد خطرهم الى عنان السماء!
ولعل المتبصر في المجتمع ونمائه والتغيرات التي طرأت عليه ليدرك عددا من التأثيرات التي ربما ساعدت على تأجيج تلك المظاهر الخارجة عن الدين والعقل والمنطق السوي، ومن ضمن ذلك:
@ السنن الاجتماعية والتي تتمثل في أعرافه وأنماطه السلوكية.
@ العوامل المحيطة.
@ التربية والتعليم.
@ الأسرة.
@ الاعلام الخارجي الموجه.
فهل ألقت تلك المؤثرات ظلالها على مجتمعنا المحلي الذي كان قبل ستين عاما مضت عددا محدودا مبعثرا هنا وهناك من المجتمعات القروية والعشائرية بعيدة كل البعد عن جرائم نوعية مقننة ومنظمة إلى حد كبير؟.
@ وهل ساهم تحول المجتمعات من حال البساطة والتوحد إلى التعقيد والازدواجية المركبة لعدد غير محدد من الناس بحيث ظهر تأثير ذلك في التمدد الديموجرافي أو زيادة السكان من أنماط وثقافات متعددة وموجات الهجرة والتجنيس الداخلي لمحاولة صهرها في بوتقة واحدة تؤمن بفكر واحد وفلسفة واحدة في زيادة وتيرة الجريمة وتنوعها ولو بشكل غير مباشر؟
@ أم هل ألقت ظلال الحروب والنزاعات السياسية والدينية بين الشعوب المحيطة والبعيدة ظلالها على مجتمعاتنا وشبابنا بحيث أن شماعة الانقاذ أصبحت هي الحكم والفيصل في كل ذلك، بحيث غدا البعض يؤمن ببعض التيارات المطروحة على الساحة العربية والاسلامية والدولية فذهب للمشاركة الجسدية أو الروحية على أقل تقدير لبعض المواقع الجغرافية طلبا في التغيير فتقمصها فكريا وعقليا وأنماط سلوك ومعيشة ولباسا وابتعد بعد ذلك عن أصوله وجذوره وماضيه ومصلحة وطنه وأمته؟
@ وهل كانت هناك مساهمة من قبل بعض مؤسسات التربية والتعليم ورجالها في عدم استفادة بعض الشباب من برامجها التنموية الفكرية والعقدية والعلمية التي ترسخ الولاء لله عز وجل والسمع والطاعة لولي الأمر وبناء الوطن والمجتمع والعقل السوي، بحيث ان بعضا منها أصبح أماكن للترديد المعرفي المجرد يسلم في نهاية العام ورقة تشفع للوظيفة المستقبلية من غير تبصر حقيقي للأهداف المسمومة المطروحة من قبل بعض التيارات المنحرفة على الدين والوطن وتبصير الشباب بها وتقوية عقولهم على الجدال المنظم والنقاش الفاعل للحفاظ على هويتهم وكيانهم تطبيقا لمنهج قرآني كريم حيث يقول عز من قائل: (وجادلهم بالتي هي أحسن)؟
@ وهل كان للأسرة دور في زيادة وتيرة الجريمة والاهتمام فقط في أعداد المواليد كأكبر بؤرة لذلك، وأغفلت في المقام نفسه المتابعة اللصيقة للأبناء، ولهثت وراء الكسب المادي بكل صوره وتناست الرسالة الروحية والوطنية بتخريج ورعاية جيل صالح معتدل بعيد كل البعد عن المؤثرات الخارجية والداخلية التي تريد القضاء على خير وطنه ونفسه وأمته ومجتمعه؟
@ وهل أصبح للانفتاح الاعلامي الخارجي وما ينشر على شاشاته من سمومه وأقوال وندوات سياسية ومنتديات فكرية مشوهة ضلع في زيادة التطرف الفكري والذهني لعدد غير محدود من الشباب بحيث أصبحوا ضحية وصيدا سهلا لكل من هب ودب من ذوي الألسن النارية؟، وقد سمعنا عن محاولات جادة للوقوف صفا واحدا من قبل بعض دول الخليج العربي ضد بعض تلك ومقاطعة مكاتبها وممثليها.
إن القضية التي أثارها صاحب السمو الملكي الأمير نايف لهي جديرة بالتوقف والتمعن وقد أثرنا ذلك في عدد من المرات في مقالات متفرقة حول أهمية إفساح المجال لزيادة دراسة التغيرات السكانية والنفسية للمجتمع السعودي بحيث يتم وضعها على قائمة الأولويات الاستراتيجية الطارئة ضمن بوتقة دراسات ومؤتمرات جادة تكون نبراسا ومعينا لرجل الأمن والبناء والاقتصاد والتعليم والاعلام والأسرة ورجل الوعظ والارشاد وكل من له علاقة بحفظ الانسان وسلامته وأمن مجتمعه ليسلم المجتمع وشبابه من كل الحاقدين والمتربصين به. فكل الذين يحسدوننا وهم كثر على الأمن والأمان هم ساكنون في الأرض وبين أجنابنا وينطقون بلساننا ونحن لا نعرفهم، فلنواجههم بكل ما أوتينا من قوة، ولننظم أنفسنا ونتكاتف لكشف زيفهم ودعاواهم قبل أن يملكوا عقول الكثير من أبنائنا وفلذات أكبادنا، وإنها لأمانة ومسئولية على كل أم وأب وأخ قبل أن تكون على غيرهم، فكل واحد منا مسئول، فلا يلقي أحد بمسئوليته على غيره.