تتعرض أحيانا لمواقف جديدة تدفعك لإعادة النظر في بعض قناعاتك، ولعل هذا هو ما حدا بسياسي عربي عريق لأن يقول أثناء توليه منصبا هاما في هيئة دولية: (ان الأغنياء وحدهم هم الذين لا يغيرون آراءهم).
ومع أن السياسة لا تعترف بالمقاييس الأخلاقية في كثير من الحالات.. إلا أن هذا القول لا يمكن تجاهله بالمطلق، لأن فيه جانبا من الصواب في كثير من الحالات أيضا، خاصة في قضايا الفكر التي لا تزال محل خلاف منذ الأزل حيث لم يتم حسم قضية فكرية واحدة حتى الآن، كما لن يتم ذلك حتى بعد آلاف السنين والذي قال:
قف دون رأيك في الحياة مجاهدا
ان الحياة عقيدة وجهاد
لم يكتو بنار تعليمات الحياة وتناقضاتها، بل عاش النعيم في برجه العاجي غير عابىء بما يجري في الحياة من أهوال، ليبني له عالما خاصا وزاخرا بالمثاليات حيث لم يخبر من الحياة سوى وجهها الحسن والمشرق.. وليس وجوهها العابثة والكالحة.
هذا ليس تبريرا للنكوص عن الرأي والوقوع في التناقض، ولكنه تقرير لواقع عاشه معظم المفكرين الذين ينقلبون رأسا على عقب نتيجة دوافع لاحيلة لهم في التغلب عليها أو تجاوزها دون عواقب وخيمة فلاعجب أن تقرأ اليوم لكاتبك المفضل رأيا مختلفاعما قرأته له في سالف الأيام.
ولا عجب أن تراه اليوم مدافعا عن رأي كان ضده بالأمس، المهم هو الصدق في المواقف دون تعصب، والقناعة بالآراء دون قسر والاختيار في الفكر دون ارهاب فالارهاب الفكري هو أسوأ أنواع الارهاب قسوة في النفس لأن العقول تتيه وتتشتت تحت ضغطه، والنفوس تذوب كمدا وتنحرف سلوكا بفعل تأثيره.
وبين موقف وموقف مضاد لا يوجد تناقض، بل تناغم في سبيل البحث عن الحقيقة، والحقيقة هي ضالة الانسان أينما وجد، لكن الذين لا يعجبهم العجب يصرون على التصيد في الماء العكر.. ولو أنصف شاعرنا الفحل لقال:
قف دون رأيك ما استطعت مجاهدا
ان الحياة عقيدة وجهاد
ومن لم يصدق هذا القول، فليسأل أقطاب السياسة، وعند جهينة الخبر اليقين.
