الأمم العظيمة هي الأمم التي تحتفي برجالها العظام الذين تركوا في تاريخها آثارا واضحة وقدموا لها خلال مسيرتها كل مقومات التقدم والمجد.
وعندما تحتفل بلادنا بمرور واحد وعشرين عاما على تولي خادم الحرمين الشريفين زمام الملك فهي إنما تحتفي بأكثر من ضعف هذه السنوات من العطاء والبذل منذ تولىه ـ يحفظه الله ـ وزارة المعارف في عهد المغفور له الملك عبد العزيز عام 1373هـ فوضع أسس ولبنات نهضة تعليمية مباركة نعم بها أبناء وبنات الوطن ومنحته أروع ثرواته شبابا قام على كواهلهم بناؤه واستمر هذا العطاء. وهذا الإحساس العظيم بالمواطنة الحقة وواجبات المسئولية عندما تسلم ـ يحفظه الله ـ وزارة الداخلية عام 1382 هـ فجعل الأمن هاجسا حقيقيا له وعرف بثاقب بصيرته أن الأمن لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال تأهيل شباب هذا الوطن وتزويدهم بسلاح العلم والإيمان وتأصيل مفهوم الأمن في ذواتهم بعد أن تشربوا مفهوم وحدة الوطن على يد المغفور له الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ والإحساس بالمسئولية تجاه الأمانة التي شرفهم الخالق بها من الحفاظ على ضيوف الرحمن وتأمينهم ما داموا بين ظهراني هذا الوطن.
فقام ـ يحفظه الله ـ بتطوير كلية الملك فهد الأمنية وجعلها تستقطب خيرة شباب الوطن متيحة لهم تعليما عاليا بإمكانيات متقدمة فأصبحت إحدى الكليات الأمنية الرائدة على مستوى العالم وساهمت في تأصيل مفهوم الأمن من منطلق أن سيادة الأمن ذات أبعاد نفسية واجتماعية وسياسية عميقة المدلول بالنسبة للأمم المتطلعة إلى النمو والنهضة وأن استقرار الأمم اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا لا يتم إلا في ظل وجود أمني متقدم وواع يستمد قوته من شرع الله القويم ومبادئ وقيم هذا الوطن.
يقول الفهد ـ يحفظه الله ـ في لقاء له مع أسرة جامعة الملك عبد العزيز عام 1404 هـ (لو نظرنا إلى الأمن والاستقرار لوجدنا ولله الحمد أن بلادنا تتمتع بالأمن والاستقرار ففي اجتماع لهيئة الأمم المتحدة كان ينظر في الجريمة في جميع أنحاء العالم أكد المجتمعون أن المملكة العربية السعودية في مقدمة الدول إن لم تكن الأولى التي تتمتع بالأمن، وهذا الأمن لم يبن على التعسف، ولا على القوة , بل بني على أسس وقواعد ثابتة إلى أن تقوم الساعة وهو استيعاب المواطن للعقيدة الإسلامية).
والملك فهد ـ يحفظه الله ـ أظهر منذ بداياته ميلا شديدا وفطريا للإدارة يقول عنه الملك فيصل ـ يرحمه الله ـ (أخي فهد لديه ميل فطري عظيم للإدارة ) وهو الميل الذي صاغ فلسفته في الإدارة وفي الحكم بما انعكس على كل جوانب الحياة في المملكة العربية السعودية ومن خلالها لعب دورا كبيرا في السياسية الدولية والعربية وفي أساليب الحكم في الوطن وتنظيمه وساهم بشكل فاعل منذ أن كان نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء وهي المرحلة التي اتسعت فيها آفاق مسئولياته - يحفظه الله - ساهم في بناء دولة حديثة ذات وجود دولي وإسلامي وعربي فاعل كما ساهم في تنفيذ برامج التنمية الأولى وهي النقلة الهائلة التي حدثت في الاتجاه نحو النمو والنهضة والتطور.
وفي عام 1395هـ تابع ـ يحفظه الله ـ من خلال منصب ولي العهد بثقة كاملة من أخيه الملك خالد بن عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ المضي قدما في تنفيذ الخطة الخمسية التي عملت على تنويع القاعدة الاقتصادية وعدم الاعتماد على عائدات البترول وحدها وقد أدت هذه السياسة الحكيمة إلى رفع معدلات الإنتاج النفطي والزراعي وبالتالي نمو القاعدة الاقتصادية وتابع - يحفظه الله ـ تطوير وتنمية القطاعات التعليمية والصحية والصناعية والثقافية والمعمارية والرياضية والشبابية وغيرها حتى انه لم يخل مرفق أو موقع داخل البلاد من ملمح واضح من ملامح التحديث والتطور والتقدم فانتشرت المدارس والمستشفيات والمراكز والوحدات الصحية , ودخل التيار الكهربائي إلى جميع المدن والقرى ووصل إلى البوادي والهجر، وتبعته إمدادات المياه العذبة وتوصيلات خطوط الهاتف والإرسال التلفزيوني الذي وصل إلى معظم المناطق، كما أقيمت أضخم شبكة للطرق الحديثة البرية التي تربط بين المدن أو داخلها، وشهدت البلاد تطورا في وسائل الاتصال والمواصلات، وطورت الخطوط السعودية والمطارات والموانئ البرية، علاوة على النهضة العمرانية والنمو الزراعي المكثف الذي حقق معدلات تبشر بإمكانية الاكتفاء الذاتي في كثير من السلع الاستراتيجية وبجانب ذلك اتسعت قاعدة الصناعات في مجال مشتقات البترول وقطع غيار كثير من المعدات والآليات، وصناعة الأدوية والأغذية أي انه لم يبق جانب من جوانب الحياة التي تمس المواطن وتؤدي إلى رخائه إلا شمله التطوير والعناية والاهتمام , وقد أبدى الملك فهد بن عبد العزيز ـ يحفظه الله ـ حنكة مبكرة في مجال السياسة الدولية توجها بتنظيم مؤتمر القمة الإسلامي الذي عقد في مكة المكرمة والطائف عام 1401هـ إضافة إلى قدراته الإدارية والسياسية المتميزة. وفي عام 1402 هـ تولى ـ يحفظه الله ـ عرش المملكة العربية السعودية لتواصل بلادنا نهضتنا المباركة بقيادته الحكيمة وبزخم وقوة عظيمين فبدأ في عهده اكبر توسعة للحرمين الشريفين في تاريخهما بإشراف مباشر منه أنفقت المملكة خلالها أكثر من (72 مليار ريال سعودي) على توسعة الحرمين الشريفين وتطوير المناطق المحيطة بهما حتى أصبح الحرمان الشريفان مصدر فخر لأكثر من مليار مسلم يشاهدون تلك الإنجازات الضخمة كلما زاروا الديار المقدسة، ونذر الملك فهد بن عبد العزيز نفسه لخدمة الإسلام والمسلمين فأصبح أول رجل في التاريخ الإسلامي المعاصر يطلب لقبا يرمز إلى خدمة الإسلام بدلا من كل ألقاب الملوك يقول: (إن من نعم الله علينا أن جعلنا مسئولين ومواطنين في خدمة الحرمين الشريفين ووفقنا إلى العناية بضيوف الرحمن، الحاجين والمعتمرين والزائرين لمدينة الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه وعلى شهور العام.. إن شيئا يبذل في توسعة الحرمين الشريفين، سيعود على هذه البلاد بالخير والبركة، ولن نألو جهدا في خدمة مكة المكرمة والمدينة المنورة بجميع الطرق والأساليب والأسباب حتى نراها إن شاء الله في الإطار الذي نرغب أن تكون فيه). وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز شهدت السياسة الخارجية تطورا كبيرا ودورا فاعلا ارتكز على عدد من الثوابت أهمها العمل على دعم التضامن العربي والإسلامي، والدفاع عن القضايا العربية والإسلامية العادلة، وخدمة الإسلام والمسلمين في جميع أنحاء العالم، والمحافظة على الاستقرار والسلام العالميين وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى بالمقابل عدم السماح للغير بالتدخل في شئونها، كما كرست المملكة جهدها لتعزيز التعاون الدولي ضد سياسة العدوان، واحترام سيادة الدول واستقلالها , وحل الخلافات التي تنشأ بين الدول بالطرق السلمية مما ضاعف رصيد المملكة من الثقة والاحترام في المجتمع الدولي وبخاصة في ميدان التعاون والتضامن والالتزام بالمواثيق الدولية والسعي الدؤوب لتحقيق مبادئ العدل والخير والسلام. كما نمت المساعدات الإنسانية للمملكة العربية السعودية انطلاقا من مبادئ وأحكام الدين الإسلامي الحنيف فامتدت يد الفهد الخيرة لكل بلد شقيق أو صديق محتاج بعطاء لا منة فيه يعلن أحيانا ولا يعلن أحيانا كثيرة ونشطت الهيئات الخيرية في المملكة استنادا إلى هذا التوجه الكريم من قائد البلاد فأصبحت بلادنا مضربا للمثل في التسارع إلى عمل الخير والحث عليه والسعي له. إن الحديث عن خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز في ذكرى واحد وعشرين عاما على توليه الحكم لا تكفيه مثل هذه العجالة ولكن يكفي جيلنا فخرا أننا غرس يديه علما وعملا وإننا إذا فاخرنا الأمم فإننا نفاخرها بدين قويم شرفنا الله به وبقيادة حكيمة منحتنا كل سبل العيش الكريم وهيأت لنا سبل الرخاء والعزة والفخر.