التطور والتغير سمة حتمية في طبيعة المجتمعات الانسانية, ودوام الحال من المحال, ومستقر في العقل الانساني ان التغير في شقه المظهري من حياة الانسان يتعرض لقفزات جامحة لايواكبها التغير في شقه الثقافي الذي يتسم بالثبات حتى ان بعض الجوانب الثقافية تكون من الصلابة اقرب الى الجمود. ولايعني هذا ان الجانب الثقافي لايتعرض لهجمات عواصف التغير ولا انه في بعض الاحوال يستطيع المجابهة والصمود, فالعادات والتقاليد اقل مقاومة من العقائد الدينية ولعل هذا ما نحمد الله عليه فمجتمعاتنا مازالت راسخة العقيدة, ثوابتها الدينية مستقرة مهما طغت مظاهر التغير تطورا كانت ام مجرد تغير.
ما اطلقت عليه نسبية العادات هو تلك الظواهر والمظاهر المستحدثة التي اخذت تستشري بحجة التطور, وانساق كثير من الناس متابعين بوعي تارة ومغيبين تارات اخرى حتى اصبح الجديد والحديث عادة تتمثل وسنة تتبع. اعني بذلك ما تعيشه مجتمعاتنا المعاصرة من الغرق في شهوة الاستهلاك والغاء العقل امام طغيان الرغبات المحمومة فالناس تحولت الى مخلوقات استهلاكية تلهث وراء متابعة الجديد. والغريب ان الاستهلاك اصبح لغة مجتمع لايتحقق التفاهم الا بها ولايهم عاقبة ذلك بل تجاوز الامر الى استحداث قيم جديدة على المجتمع استمرأها الناس واصبح الامر المتعجب منه سابقا امرا عاديا.
كان اللجوء الى الاستدانة امرا تفرضه ضرورة قسرية, وكان من كره الناس للاستدانة ان وصفوا حالة المدين انها (هم بالليل وذل في النهار) وقالوا: (لا هم إلا هم الدين ولا الم الا وجع العين). اما اليوم فاصبحت الاستدانة سمة حضارة وقيمة يزهو بما المدينون ـ للاسف ـ فأحدهم يتباهي ان لديه بطاقات فيزا بألوان الطيف والوان كل ما له بريق وهو يستسلم لمرضاة الحيوان لاستهلاكي في داخله ولايهم ان كان قادرة على السداد, او كيفيته, ولا حتى مغبة عواقبه.
اعجب كيف يستمتع المرء بمقتينات او رحلات او مجاملات اجتماعية جوفاء لا يقدر على سداد قيمتها الا بالتي واللتيا هذا ان قدر, فكم امرئ اوقف مرتبه لصالح البطاقة الائتمانية, وكم واحد اهدر ماء الحياء وهو يقصد صديقا ليعطيه بل كيف واكب ذلك انحدار في مفهوم القيم ومستويات الاخلاق فالاستهلاك المعجز للميزانية قاد بعض الناس الى الكذب وسوء استغلال الاصدقاء فالمماطلة في تسديد الديون للصديق تختلف عن مسؤولية تسديد دين البطاقة الائتمانية, فالصديق من الممكن تسويفه بل واكل حقه استنادا على تاريخ العلاقة وغلبة حياء الآخر, وتناسي (ان ما اخذ بسيف الحياء باطل).
لو تأملنا مدعاة شقاء الناس هذه الايام وعلة اثقال كواهلهم بديون لا طاقة لهم بها لانحصرت كلها او جلها بالاستهلاك المظهري الذي شدد قبضته على الاعناق والعقول. ولاتقف شهوة الاستهلاك عند جنس النساء فالرجال تقاسموا هذه الرذيلة ايضا فالرغبة بالتغيير تشمل جهاز الجوال والسيارة وجهاز الحاسوب المحمول لا عن حاجة اوضرورة او حتى قدرة مادية تسمح بذلك بل عن رغبة في حب الظهور والتفاخر. اما النساء فحدث ولاحرج.