قوله تعالى: (لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة. أصحاب الجنة هم الفائزون) (الحشر 20).. فيه بيان واضح ان الناس يوم القيامة فريقان, أشقياء وسعداء.. وفيه زرع للطمأنينة في نفوس المؤمنين الذين قدموا لأنفسهم من الأعمال الصالحة, وأطاعوا ربهم, وامتثلوا أوامره فاجتازوا المخاوف والأحزان بخوفهم من ربهم: (ولمن خاف مقام ربه جنتان). فأصبحت نفوسهم مرتاحة لمعرفتهم بنهاية مصيرهم بعد ان قطعوا رحلتهم في هذه الحياة. علما بأن هذا الفلاح الذي حققوه لم يأت من فراغ, والفوز الذي نالوه جاء نتيجة جهد كبير أسهموا بما تيسر لهم في صناعة الحياة.
انهم هم السعداء في ذلك اليوم العظيم.
ـ ان البعد عن الله تعالى لن يثمر إلا خسرانا لذا كان من الواجب العودة الى الله حيث يجدد الانسان نفسه, ويقوم باعادة تنظيم حياته, عودة سريعة.. سرعة الهرب من سيارة تكاد تحطم جسمه فلا يجد بدا من التمسك بأسباب النجاة (ففروا الى الله اني لكم منه نذير مبين).
ـ لا بد من تجديد الصلة بالله, لان الفريق الخاسر (فريق أهل النار) نسوا الله ولم ينصاعوا لأوامره, فحذرنا ربنا من سلوك طريقهم, وأخبرنا بانهم لم يخافوا الله, ولم يطيعوه فيما أمرهم به, ونسوا ذكره سبحانه وكلما عرضت لهم شهوة حرام, او لذة نهى عنها سبحانه طاروا اليها (ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم. أولئك هم الفاسقون).
وحينما نسمع ـ نحن المؤمنين ـ مثل هذا المصير المفرح.. لا يهمنا الوقوف عنده, والاطلاع عليه بقدر ما يهمنا بذل الاجتهاد في الطاعات لله العظيم, والزيادة في القرب منه سبحانه, والتمسك بحباله المتينة, وترك العلائق البشرية المبعدة عن رحمته ومدده وعطائه, من أكل مال حرام, او الانزلاق في سبل الغواية الشيطانية.. وبهذا يجب ان نكون اسعد الناس, لاننا عرفنا المسالك الآمنة التي تكف النفس عن مهاوي الردى, وتحجزها عن المخاوف المسقطة في أوحال المادة.
ـ اننا نبارك لأولئك الناس الذين فازوا وقدموا أرواحهم في سبيل الله, وجعلوا حياتهم فيما يرضيه ـ سبحانه ـ عنهم, بذلوا لنصرة الدين, وارتفاع راية التوحيد, فحصدوا السعادة.. نبارك لهم أعمالهم, ونرثي لكل من جرهم الشيطان الى الشقاوة, فبخلوا بما اعطاهم, ونسوا ذكر ربهم: (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم, والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم. ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل. وان الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم كذلك يضرب الله للناس أمثالهم) (محمد 1ـ3).
ـ هما فريقان: فريق خاسر, وفريق فائز يحصد الجوائز..
والفريق الخاسر ضل الطريق وتشبث بحطام الحياة الدنيا, ومتعها الفانية فكان ما تشبث به وبالا عليه. والفريق الفائز عرف الحق واتبعه بعد ان أحبه وناصره.
عبد القادر الزين