اهتم العدد الاخير من مجلة (البناء) بالعمارة في جدة ومكة مستعرضا العبق الحجازي في العمارة التقليدية في كلتا المدينتين ثم تطرق الى تجربة المدينتين في العمارة والعمران في العصر الحديث وذلك من خلال تقارير ولقاءات وتحقيقات استعرضت معالم جدة العمرانية واهم مشاريعها الخدمية.واوضح رئيس تحرير المجلة المهندس ابراهيم عبدالله ابا الخيل انه لا يمكن ان نفصل العمارة عن الثقافة على انه تصبح لهذه العلاقة قيمة مضاعفة عندما يكون الحديث عن المدينة المقدسة وقال: لقد استجابت عمارة مكة عبر الزمن لهيمنة المسجد الحرام وتجاوزت كل العوامل الاخرى التي يمكن ان تؤثر في الشكل المعماري فتحلقت كل البنايات وتزاحمت كي تطل علىالمكان المقدس.. فظهر التكوين البصري دالا على الحرم ومكانته.. وتكون ذلك الارتباط النفسي بين الحرم وبين كل ما يحيط به.. قصة العمارة في مكة مليئة بحكايات الترابط والتلاحم بين الدنيوي والمقدس, ومحاولات خدمة ذلك المكان الذي تهفو اليه افئدة الناس.. ابرازه والتعبير عنه.. لذلك فان العمارة في مكة ليست كأي عمارة في مكان آخر.. هذا ما يجعلنا في هذا العدد ننظر للعمارة بمنظور مختلف.. حضور العامل الثقافي بقوة نستطيع ان نراه بوضوح في عمارة الماضي ولا نعلم كيف اخذ هذا الحضور في التراجع.. لقد تحول ذلك التحلق والتزاحم الانيق حول الحرم الى اختناق بصري حاد جعل من الحرم فضاء محدودا محاطا بغابة من المباني الخانقة.. في السابق كنا نرى الوحدة الكلية لمباني مكة رغم وجود الاختلافات بينها, اما اليوم فلم يعد هناك فرصة لوجود مثل هذا التناغم البصري.. لا نعلم حقيقة ما الذي يدفعنا كي تكون عمارة مكة بهذا التزاحم وهذا التنافر.. لعله ضغط الاعداد المتزايدة للحجاج والمعتمرين, ولعله نقص في الخبرة من قبل المعماريين للتعامل مع مكان حساس.. وربما هناك اسباب كثيرة صنعت هذه الظاهرة.. ومع ذلك فاننا لا نجد ذلك عذرا مقنعا كي تظهر عمارة مكة متنافرة ولا تدعم الجو الروحي للمدينة.. اما مدينة جدة التي تشكل بوابة الحج فهي المدينة التي استوعبت ومازالت تستوعب الجديد.. فجدة التي برزت فيها عمارة متميزة على الدوام تحتاج للعديد من التأكيد الحضري لفضاءاتها المهمة خصوصا الكورنيش الذي نجده منفصلا الى حد ما عن المدينة.. فهذا المكان المهم لا يصنع الفضاء الحضري المترابط لعناصر المدينة.. ربما هذا يحتاج الى المزيد من الدراسة لعلاقة المدينة بالساحل لا نجدها حاضرة في الدراسات الحالية.اما المنطقة التاريخية التي بذلت جهود مضنية للمحافظة عليها عادت تئن من وطأة الاهمال فأخذت تتهاوى فيها المباني الرائعة.. فالعمارة التاريخية تحتاج الى اعادة تأهيلها اكثر من مجرد المحافظة عليها. جدة التي كانت تحقق المعادلة الصعبة عبر موازنتها بين التاريخي والمعاصر, القديم والجديد, المحلي والعالمي مطالبة ان تستمر في هذا النهج. العمارة في المنطقة بشكل عام تتطلب المزيد من العمل والدراسة والتطوير,
لانه لا يعقل ان تكون منطقة بمثل هذه الحساسية الثقافية وتترك عمارتها لكل من يعي او لا يعي ان العمارة تبقى لاجيال متعاقبة وتشكل الفضاء البصري الثقافي.. ومع ذلك فان منطقة مكة المكرمة الواعدة دائما تشهد نقلات عمرانية وتنموية كبيرة خصوصا مع المتابعة المستمرة لصاحب السمو الملكي الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز أمير منطقة مكة المكرمة الذي لا يألو جهدا ابدا في متابعة كل جديد يمكن ان يرتقي بالمنطقة ويطورها.