تنقسم النساء - حسب علمي - الى ثلاثة اصناف امرأة مضحية، معطاء كريمة حبها وعطاؤها لابنائها واسرتها ليس له حدود، وامرأة في الجانب الآخر تماما انانية بخيلة في مشاعرها وعطائها، تمن على بيتها وابنائها بكل شيء من عملية الطلق والولادة الى اضاعة العمر والشباب، ويتربى الاولاد على هذه الاسطوانة منذ نعومة اظفارهم فلم ترب الامهات الا هي، ولم تضح الاهي: وقد يعتقد المرء ان هذه اشياء بسيطة تقوم بها كل أم وامرأة وزوجة، لكن هذه المرأة تعلو عندها (الأنا) فلا ترى من العالم الا هي ومن خلالها يسير العالم. وقد يعتقد البعض ان المرأة الاولى أفضل من الاخرى. وهذا ليس صحيحا. ان هناك من النساء التي تفني حياتها وشبابها ومالها من اجل الزوج والابناء، فكل شيء بميزان مادام يخصها فلا خروج ولا اصدقاء ولا عمل ولا مصاريف الا من اجل البيت والاولاد.
وهي تظن بذلك انها تبلي بلاء حسنا. لكن الجميع منا يعلم ويدرك تماما ان كثرة العطاء كقلة العطاء. ولهذا - حسب رأيي المتواضع - لا تقل اضرار المرأة الاولى (المضحية) عن اضرار المرأة الثانية (الانانية) فكل منهما تترك اثرا سلبيا على زوجها وبيتها واولا واخيرا.. ابنائها فالاولى سيعتاد ابناؤها على العطاء منها بلا حدود، وقد يتناسى البعض منهم ان يتعلم كيف يكون الشكر وكيف يكون العطاء فقد اعتاد ان يكون الآخذ ومركز الاهتمام دائما، وقد يعتقد البعض ان عطاء امه من المسلمات، لاهي منة ولا تحتاج لشكر. ولذلك سيأتي يوم على هذه الام لتقف متعبة مرهقة من هذا الدور الذي تقوم به، وستجد صحتها متهالكة.. وحالها متعب.. والكل مندهش عن سبب توقف هذا النهر الجاري الذي لابد ان يستمر. وستنصدم من ردة فعل الآخر تجاهها. ولهذا فان العطاء غير المشروط سلبي ومضر في التعامل مع الآخرين. فبذلك يتعود الابناء ان الام ملك لهم وموجودة لغاية خدمتهم وليس العكس هو الصحيح.
اما بالنسبة للصورة الاخرى، فقد تنتج ابناء متذمرين لكنهم ضعفاء الشخصية، فالام بتذكيرها لهم بدورها العظيم وعطائها اللا متناهي قد يكون بمثابة ابتزاز عاطفي يعيشه الطفل وينغص حياته، وأنه مخلوق جاء في المكان والزمان غير المناسبين. وقد يصبح الطفل تابعا ضعيفا لامه التي قد تؤثر على حياته المستقبلية (من ناحية العمل والزواج) وتصبح المعقل المفكر لهذا الابن أو ذاك.
من هذه الصورة وتلك تأتي الوسطية التي لاغنى عنها في جميع الاحوال فلابد للمرأة منا ان تعتاد ان تتوسط بين عطاء مدروس مقنن له هدف وطعم ورائحة، وبين انانية متواضعة وبسيطة تذكر فيها من حولها بان هذه صفة محمودة للام تستخدم ما دام الاخر (الزوج او الابن) هو بحاجة لها، وتحجب عنه في حالات اخرى - كل حسب عطائه وحاجته - وبهذا يتفاعل الكل مع إنسان تدرك معنى العطاء ومعنى الانانية. فقد ربيت الفتاة في مجتمعاتنا الشرقية على انها سمعة تذوب من اجل الآخرين، وانها هي المضحية والمربية والمعطاء والحنون.. وكأن الآخرين ليس عليهم دور آخر غير تلقي المكرمات منها الواحد تلو الآخر. ولهذا تصطدم الواحدة منا لو حاولت الخروج عن المألوف ورفض دور الشمعة المنورة للآخرين. ونتيجة لهذه التربية نستشعر الندم في كثير من المواقف ولو كانت بسيطة.
فكم نشعر بالذنب لخروجنا للعمل - مع ان خروجنا للعمل راحة مادية لجميع افراد المنزل. وكم شعرنا بالذنب لاننا صرفنا بعضا من مالنا في متعة شخصية - مع اننا نستحق ان نكافئ في انفسنا بثمرة تعبنا وكم شعرنا بالذنب لخروجنا ولو مرة مع صديقاتنا مع اننا نستحق ان نريح انفسنا من عناء البيت ومشاكل العمل بالترويح عن النفس مع الصديقات بعض الاحيان وكم شعر الآخرون بإجرامنا لادائنا هذه الانشطة مع انه حقنا الكامل.
القسم النسائي