من نعم الله على الامة الاسلامية ان بعث فيها رسولا الى الهدى ودين الحق، وانه انزل فيها قرآنا يحتوي على تشريع رفع من قيمة النفس البشرية وحررها من الخوف والمهانة والاذلال.
ومن نعمه سبحانه وتعالى ان قيض لهذه البلاد قائدا حكيما مؤمنا متمسكا بشريعة الله مطيعا لها في السر والعلن.. في الحرب والسلم تطبيقا يتساوى فيه المواطنون غنيهم وفقيرهم عبدهم واميرهم الكل امام الشريعة سواء فابدل الله خوفهم امنا واكسبهم بعد التشتت والترحال استقرارا وثباتا واتجاها الى الاستفادة مما يسر لهم الله من ينابيع المعرفة وسهل الرزق الحلال. وابعدهم عن نوازع الشر والمعصية واتباع نوازع الشيطان. ولتجسيد هذه المعاني الخيرة التي سطرت على صفحات الخلود اصدرت اكاديمية نايف العربية سلسلة من الكتب العلمية من بينها كتاب عنوانه (مكافحة الجريمة في المملكة العربية السعودية) تأليف الدكتور خالد بن سعود البشر، وهو مؤلف متخصص استطاع ان يلم بهذا الموضوع من جميع جوانبه الدينية والاجتماعية والامنية والاقتصادية باسلوب لاتنقصه السهولة والوضوح. وقد احتوى الكتاب على عدة فصول يستطيع القارىء لهذا الكتاب ان يحيط بالموضوع من جميع جوانبه، وان يخرج منه بتصور يبسط امامه صورة للحاضر المشرف مقارنة بالماضي المقيت الذي كان الاعتداء على الارواح والاعراض والاموال شائعا بسبب فقدان السلطة المهيمنة التي تطبق شريعة الاسلام.
وكان اهم محاور الكتاب هو تعريف الجريمة في الشريعة الاسلامية فالجريمة مشتقة من الجرم بمعنى القطع والكسب بدون وجه حق. وهي محظورات شرعية زجر الله عنها بحد او تعزير. واركان الجريمة في الشريعة الاسلامية هي:
وجود النية والقصد الجنائي وهو المعروف بمرحلة التفكير وهي المرحلة التي يبدأ فيها المرء بالتفكير في ارتكاب جريمة ما. وفي هذه المرحلة لاتعاقب الشريعة على ما يكون في القلب.
والمرحلة الثانية فهي مرحلة التحضير والاعداد وتهيئة الادوات والوسائل التي تستخدم لتنفيذ الجريمة وهذه ايضا لا تعتبر معصية في الشريعة الاسلامية الا اذا كانت الوسيلة معصية بحد ذاتها وبعد ذلك مرحلة التنفيذ. وهي وقوع الجرم فعلا مع سبق الاصرار والترصد.
وتثبت الجريمة على الانسان متى كان عاقلا كاملا بالغا يتمتع بالحرية والاختيار والادراك الصحيح قاصدا للنتائج التي يسعى اليها.
وقد نص القرآن الكريم على العقوبات المناسبة التي تطبق عليها اركان الجريمة حال وقوعها.
اما العوامل الدافعة للجريمة فهي تلك العوامل الداخلة في تكوين الفرد من الناحية العضوية والعقلية والنفسية بحيث يكون لديه استعداد لارتكاب اي فعل اجرامي.
كما ان هناك عوامل وراثية وهي انتقال خصائص الآباء للابناء عن طريق التناسل والتزاوج كانتقال الامراض الوراثية تماما. ولاشك ان لوسوسة الشيطان النصيب الاكبر في التهيئة لارتكاب الجريمة الى جانب ضعف الوازع الديني.. وتسهم العوامل البيئية والخارجية اسهاما ذا فعالية عالية في تهيئة الفرد حيث انها تؤثر على سلوك الفرد وتدفعه الى هذا الاتجاه.
والمحور الثاني المهم هو محور واقع الجريمة في المملكة حيث كانت الجرائم في المملكة في السابق محصورة في جرائم الثأر.. ولا ترتكب جرائم السرقة الا عند العوز والحاجة.. لان المجتمع كان يستهجن العمل الاجرامي مهما كان صغيرا لان ذلك يتنافى مع سلوكيات وثوابت الشرف والكرامة والمساس بسمعة القبيلة التي تبادر الى البراءة من المجرم وخلعه. وقد دخلت الى المجتمع السعودي عوامل خارجية مؤثرة منها: الحج الذي يكون موسما لقدوم مئات الالوف من الوافدين الذين لا تتجانس دوافعهم ولا مدى انتمائهم لعقيدتهم ولا تتواءم حياتهم الاجتماعية مع بعضهم البعض. اضف الى ذلك العمالة الوافدة وما تجلبه معها من امراض اجتماعية مستترة. ولا ننسى تأثير وسائل الاعلام ودورها البارز في نقل بعض المعلومات والصور السلبية التي تغري الشباب بالتقليد والانسياق وراء سرابها.
والمحور الثالث يدور حول مكافحة المملكة للجريمة ابتداء من مكافحة الدوافع المؤدية اليها واولها التصدع الاسري حيث اصدرت الدولة العديد من الانظمة التي تحمي الاسرة من التفكك والتصدع حتى تتمكن من اداء الدور المنوط بها. ومكافحة رفقاء السوء باستغلال اوقات الفراغ لدى الشباب. ومكافحة الدافع الاقتصادي حيث ان من ابرز الاهداف الرئيسية في خطط التنمية رفع مستوى المعيشة وتحسين نوعية الحياة حيث توفر الفرص التي تمكن الجميع من الاسهام الفعال في التنمية. وحيث ان للمستوى التعليمي المتدني اثره الفعال في نفوس البشر فقد نصت المادة الثالثة عشرة من الباب الثالث لنظام الحكم ان التعليم يهدف الى غرس العقيدة الاسلامية في نفوس النشء واكسابهم المعرفة والمهارات ليكونوا لبنات في بناء مجتمعهم محبين لوطنهم معتزين بتاريخه.
كما ان الدولة تبذل جهودا جبارة لمكافحة المسكرات والمخدرات بشتى الوسائل والطرق وتطبيق اقصى العقوبات على تجار المخدرات ومروجيها.
ومن الناحية الدينية فان الدولة جادة في تطبيق الشريعة الاسلامية على الحياة في كل مكان نحو اية جريمة صغيرة او كبيرة اذا تبينت اركانها الى جانب ما تقوم به اجهزة الدولة المختلفة من معطيات لتقوية العقيدة الاسلامية في النفوس عن طريق العناية والرعاية المكثفة للتعليم الديني والاهتمام بالبرامج الاعلامية من الناحية الدينية.
ان مكافحة الجريمة في المملكة هي الايجابية الهامة الاولى في نظام الحكم منذ ان قام المؤسس يرحمه الله بتوحيد المملكة وتطبيق شريعة الله فيها وهذا ما جعل هذه البلاد مضرب الامثال في الامن والامان وهو ما شهد به كل وافد الى هذه البلاد وكل مقيم بها. وهذا الكتاب هو ثمرة بحث مكثف لمعرفة جميع الجوانب الهامة التي تحققت بها تلك المظلة الامنية التي يتفيأ الجميع ظلالها الوارفة. ومادة الكتاب جيدة جدا لولا بعض الاخطاء اللغوية والاملائية التي ارجو ان يتداركها المؤلف في الطبعات القادمة.