أخبار متعلقة
نحن في ارض نمشي عليها الآن ولاندري اين نضع قدمنا الاخرى عندما نعزم الخطو قدما, وهي ارض لانعلم تماما ما تحتها على ان الذي نراه فوقها اشجار يانعة مزهرة وافرة الخضرة مليئة بالثمار.. على ان نمو هذه الاشجار هو نمو غريب فاق معدل النماء الطبيعي الذي يعرفه كل من زرع بذرة في يوم من الايام, ويعرفه كل من انهالت عن اصابعه اتربة الارض.. ويقول لك العارفون ان تحت هذه الاشجار الغام ستنفجر في اي لحظة وتنسف كل شيء وترجع قحلا يبابا ولن تخلو من الدماء والاشلاء.. والناظر لايستطيع ان يصدق مايراه رغم خوف كامن بما هو تحت الارض وبضمير الغيب, وهو يعرف بكل عقله الواعي ان الاشجار تنمو تسلقا وتمتلئ بالثمار المتفتقة بالنضوج.. فيحتار قليلا.. ولكن يعمل ما نحن بتوافقاتنا البشرية بمنظومنا الغريزي له مندفعون.. فالمعدة تريد ان تأكل وتريد ان تمتلئ قبل الانفجار فاذا هو يجري بلا هوادة.
هذه ليست صورة سوريالية, انها واقع نابض جدا بالحياة وهو الذي يشغل الجميع في الوسط الاقتصادي وهو توظيف الاموال. هذه الصرعة التي خلبت الالباب وادارات الرؤوس.. آلة هائلة هادرة لقيمها شيء خالد مع الانسان اسمه الطمع ولن نكون قد تحرينا الدقة كما يجب ان تكون الدقة في تمثيل الصور العامة عندما نسميها بالشأن الاقتصادي.. بل هي مسألة قانونية, وهي مسألة اجتماعية, وهي مسألة صحية, وهي مسألة رسمية, وهي مسألة سلوكية.. وتضرب خندقا عميقا مفلوجا في حائط اسمه الوعي العام.
لقد تعالت فجأة التصريحات للتحذير من شركات التوظيف, وهي تحذيرات خرجت وطبخت ونشرت في الغرفة التجارية والصناعية في المنطقة الشرقية وهي لانشك لحظة بانها خرجت من صميم الاحساس بالمسئولية ومن وعي واداك فيما ستئول اليه الامور اليوم او غدا او بعد سنة, هي اتية بمنطق وطبيعة الاشياء.. على ان في الغرفة يرى الناس ما لايراه الآخرون او انهم يرونه ولكن غبشا بمعالم غطاها تماما القفز المتدافع لجني ارباح لم تصل اليه اكثر خيال اقتصادي فيما نعيه في الاقتصاد, ويعرف العاملون الكبار في الغرفة, كما يعلم الاقتصاديون ويعلم اهل الاطلاع مرضا سريع العدوي اسمه الفقاعة الاقتصادية. ويعرفون شيئا آخر وهو انها فقاعة ستنفجر ولما تنفجر فهو السيل العارم يغرق فيه جمع عظيم في ليلة مدلهمة او في صباح فجر مرتقب, وسيحدث عطبا في اقتصاد يريد التعافي وهو عطب يأخذ طبيعة الامراض التي يسميها الاطباء بالمتلازمة اي سلسلة متتابعة من امراض تقود الى امراض.
نعود الى مثلنا الذي ضربناه في اول المقال هذا اهل الغرفة الناصحون هم اولئك الذين يقفون حاجزا امام طوابير الناس المتدافعة تريد الدخول الى الروض اليانع لخرف الثمار التي تتساقط من اشجار متخمة بالخيرات, على ان الجميع لايابه للحاجز ويتجاوزه ويتعداه بدون ادنى التفات, انه العقل الجماعي الذي يقوده طمع غريزي يجعل خلايا الحكمة الرمادية (كما يقول هيركيول بوارو بطل قصص اغاثا كريستي) تتعطل وتتخدر.. هناك خطأ صار من الناصحين, او انهم خطأ يعلمونه ولا يجدون فيه قدرة الا التنلبيه حتى لا يلحقهم لوم يوم ياتيهم اللائمون, وهم محقون كل الحق لو كان الثاني هو السبب.
يجب ان يرى الناس اللغم تحت سطح الارض لكي يخافوا ويتوقفوا عن هذا الاندفاع الجماعي.. واما ان يرونه يفجر اشلاء الارض وهذا سيكون متأخرا جدا.. جدا اغو ان ياتيهم من يقول لهم بأدلة ساطعة الاستدلال ان الارض ملغومة من اولها لآخرها وهي فقط مسألة وقت.. الغام موقوته! لذا يأتي هنا دور خبراء الالغام وخبراء ازالة الالغام.. حتى هذه اللحظة هذه هي المشاهد, ناس يندفعون لخرف الخيرات غير عابئين بتحذيرات من يعلمون بما ينتظرهم تحت الارض.. اين خبراء الالغام؟... لانجد.. اين خبراء ازالة الالغام؟ لنقف هنا عند مسألة خبراء ازالة الالغام لنعود ايها عندما يوصلنا السياق..
من ناحية قانونية من الصعب ان تحدد جرما في مسألة توظيف الاموال فهي عقود بين ناس راشدين بكامل الاهلية الشرعية وما تعاقدوا عليه هو القانون لن يغير من ذلك اي شيء.
ثم انه ليس بالتصرف المنكر الجميع يتداولون الاموال بدرجات تتفاوت.
اعطني الف ريال لنشتري بضاعة ونبيعها ونتقاسم الارباح بعد الربح الاول ينضم ثالث ثم تدور كرة الثلج هذه آلية تحدث عند كل اشراقة شمس على ان الامور تنعقد فعندما تتكاثر الاموال يتغير الهدف تماما تنقلب الوسيلة لتكون هي الهدف وتبدأ في التكون دائرة خطرة تدور حتى يدوخ الجميع.. كما انه فيما نحن فيه التقدير بالظن فان موظفي الاموال لايسيئون في وضعها بقنوات خارج العرف الاخلاقي التجاري وهم نعرف انهم ذوو صلاح ودين بإذن الله. وهنا يصعب دفع اصبع اتهام من منصه ادعاء عام..
من ناحية نظامية قد تكون المخالفات هي نشاطات السجل التجاري وقوانين مؤسسة النقد وهي بصراحة يقتضيها حجم الظرف واهمية المناسبة لايمكن القول انها تجدي فتيلا والجزاء فيها لايقارب الجبل المتطاول من حجم الاعمال وقد يكون الدوران حول هذه التعليمات ممكنا باكثر من سبيل, وهذا معروف للجميع ولا نذيع سرا.
يبقى اذن مع عدم نفع الطريقتين السابقتين ان الجزاء او التلويح بلا جزاء يبقى في دواعيه لامبرر راسخ له وهذا يضعف التصدي الاداري الرسمي, وهذا هو الذي يوجد وضعا غامضا في تحديد كل جوانب هذه الاشكالية التي تكبر كل يوم وتزداد طرق الالتواء وفيما يبدو انها محاولات لتأطير نظامي لعمل يعلم الجميع انه غير ما نظم لاجله وهذا الذي يجعل المسئولين في الغرفة التجارية في مساحة ضيقة جدا للمناورة فضلا عن الوقوف ضد الموجة الزاحمة فلا الدواعي واضحة للتدخل الرسمي مما يقوي عضد الغرفة, ولاتستطيع التغافل ودفن رأسها في اوراق العمل اليومي خوفا من ان تتأزم الامور ثم تكون هي الشماعة التي ستعلق عليها كل الاخطاء, ماذا بقي للغرفة ان تقول؟ لاخيار سوى من المقولة التي تردد في كل مناسبة: لقد اعذر من انذر اذن تكتفي الغرفة بالتحذير لانها لا تملك غير ذلك. ولكن هل هذا صحيح؟
لا اميل انه صحيح, والا لكان دور الغرفة محصورا وضيقا وبالتالي لن تقف لتقول انها الواجهة التجارية ولن يثق احد في دور رئيس الغرفة غير هذه اللجان والاجتماعات وفاكسات التحذير وختم المعاملات والتحصيل لدور غرفة اهم في غياب الوجود الرسمي عندما يكون الوجود الرسمي غير واجب الحضور.
ولست مع اتخاذ اجراءات رسمية في موضوع تعقدت فيه الخيوط وتشابكت فيه مصالح شتى حتى لايكون الفزع فتفلت الامور كل الفلتان وتتسارع الانفجارات.
نرجع الآن لخبراء الالغام ليرصدوا اين موضع الالغام وهم خبراء محترفون يقنعون العقل العام بمواقع الخطر على التحديد ويصرون بما يشابه الواقع ماذا سيفعل اللغم عندما ينفجر نحتاج لخبراء عمليين وليسوا فقط متعهدي القاء المحاضرة الاكاديمية هم نوع ممارس تثق فيه العقلية العادية وتفهمهم وهم يفهمونها وفي نفس الوقت هم يعرفون تماما ما يعملون ويوصلون الرسالة الواقعية للناس بالتمثيل الواضح.. غير ذلك لن يمكن فعل شيء عندما تتوه البوصلة العقلية وهي توظيف الاموال السير بلا بوصلة وعدا بجزيرة تأتي من اللا اين..
ودور مزيلي الالغام هو الدور الاكبر, فهم يتأكدون اولا من وجود الالغام فعلا, فقد تكون الاعمال نظيفة لاغبار عليها وقد تكون مكتظة بالغبرة وتكون ايضا بين البينين.. اي ان نعرف بشفافية واضحة عمل هذه الشركات قبل الحكم عليها فقد تكون تؤدي عملا جيدا وهذا يدعو ان نتعلم من تجاربهم والعارفون يشكون كثيرا في ذلك, لكن كما قلنا ان الخبراء لابد يتأكدون باكثر من وجه دقيق عن وجود المشكلة الفعلي.
عندما يتعذر اخذ المعلومات وتغيب الشفافية ونتوه في الفهم فهنا توجد مشكلة على ان حلها ليس بنزع اللغم ورميه بعيدا ولكن يحتاج اناة ووقتا ومهارة في ابطال مفعوله وهذا ما يجب ان نتأكد منه الا نذهب ونقفل ابواب الشركات فجأة فيحدث المحظور وتتبادل الاتهامات كما صار في الريان والسعد المصريتين, مازال قطاع كبير من الشعب المصري يظنون ان التدخل الحكومي السريع المفاجئ الصارم كان سبب الضياع او من اسبابه. يحتاج الخبراء ان يدخلوا داخل كل شركة ويفككوها بامان ويبطلوا مفتاح الانفجار ليدور الاقتصاد وتعاد ضخ الدماء الصحيحة في اوردته ولو تطلب تضحية محسوبة بدلا من خسارة لاتعوض ولاتعود..
قد يكتشف ان اعمالا خاسرة وتائهة فيتم تصفيتها باقل الخسائر واخرى قابلة للاستمرار مثل عجلة مدفوعة وتقف عند نقطة مقبولة. واعمال قابلة للنمو فتعاد صياغتها مهنيا ونظاميا وعمليا وعلميا بوضع آلية لاحتوائها.
على الغرفة التجارية ان تدعم فريق مكافحة الالغام هذا وان تعمل علىا يجاده لسببين هامين.. انها متيقنة بدون وجل ان الالغلام مزروعة وانها ستنفجر لامحالة وهي مسألة وقت فقط وللسبب الثاني, وهو انها ليست فقط اروقة اجتماعات ووفود بل هي تعمل على حماية الجسد الاقتصادي الذي هو مبرر وجودها..
نحن قد نكون في مشكلة اولا نكون الاهم الآن هو دور الغرفة للعب دور اثبات الوجود.. وشركات التوظيف تعطيها هذه الفرصة!
حمد السياري