(تأملات أمام تاج محل..)
.. كان "شاه جيهان" عائدا من الجنوب الهندي، وجيشه الجرار يسد عين الأفق. عائدا منتصرا في المعركة التي شنها على المتمردين على حكمه.. وكانت تباشير الظفر والفخار تتوج هامته الامبراطورية السنية، ويتلفت إكمالا لفرحته بنظرات كلها وله وصبابة الى أجمل وجه يمكن أن تقع عليه عينا إنسان في الدنيا (كما كان يصفها في شعره الذي نظم كله من أجل هذه المحبوبة التي غزت قلبه وبقيت فيه راسخة الثبات).. تلك الطلعة البدرية، والملامح الرقيقة الأخاذة كانت لزوجته "ممتاز محل" التي أذهلت الخافقين بحسنها وشجاعتها، فقد كانت ترافق زوجها في كل غزاوته..
على أن ذلك النهار المضيء بالنصر والحب انتهى يوما أسود حزينا كسر قلب الشاه كسرا لم ينصلح حتى آخرحياته.. فقد كانت "ممتاز محل" حاملا، وأتاها المخاض في طفلها الرابع عشر.. ولكن تعسرت الولادة وزهقت روح الأم الشابة.. ماتت "ممتاز محل" وعصفت رياح الجفاف في قلب الزوج الذي كان نبعا دافقا من الفرح والحب..
لم تمت "ممتاز محل" تماما، أو أن الزوج الواله المكلوم لم يرد ذلك.. لقد عزم الملك المخلوع الفؤاد أن يبقي ذكرى زوجته وحبه لها خالدا على مر الأزمان. استدعى "شاه جيهان" أعظم مهندس معماري في ذلك العصر وهو تركي اسمه "عيسى أفندي" الذي تحت اشراف الملك بنى "تاج محل" هذا الصرح الفخم الذي يطل على القرون كأكبر شاهد على واحدة من أعظم قصص الحب وأعظمها خلودا وأسناها معنى في كل التاريخ العاطفي البشري.. "تاج محل" درة المعمار المغولي بني بعبقرية وقادة رمزا لشعلة الحب الوقادة.
.. وعندما يريد أي زوج أن يبني شاهدا للحب في القلب لزوجته، فهو لا يحتاج لعيسى أفندي. كل ما عليه هو أن يستدعي من داخله "محب أفندي"..