للجار حقوق جارت عليها المدنية الحديثة ولكن حقوقه في رمضان اكبر ولها من فضل هذا الشهر وكرمه نصيب لا ينازع ولا يتهاون فيه او يترك لظروف الحياة التي تشغلنا وننشغل بها عن واجب مقدس اوصانا به ديننا الحنيف على لسان نبينا الامين الا وهو العناية بالجار (فمن سعادة المرء الجار الصالح) وحقوق الجار ليست مما يدخله الرياء والنفاق والمباهاة التي صبغت سلوكيات كثيرة في حياتنا المعاصرة ان لحق الجار فلسفة اذا تأملناها لوجدنا فيها خطة عمل لاصلاح مجتمع باكمله فالمقولة السابقة تقرن سعادة المرء بصلاح جاره وهذه القضية يحكمها تبادل المنفعة وقديما قال اجدادنا الطيبون (الطيب مع الطيب تجارة والطيب مع الردي خسارة) والجار الطيب تجده ريحانة الحي يعطر كرم خلقه من يتعامل معه واقل مايصدر عنه انه اذا لم ينفع لا يضر.
في سنوات ماقبل الطفرة المدنية كان الناس في الحي الواحد يستعدون معا لاستقبال رمضان وكان التكافل لغة مفهومة تمارس قولا وفعلا تمثلا بقول المصطفى (ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع الى جانبه وهو يعلم). فالاطباق متداولة بين المنازل في الساعة الاخيرة السابقة لاذان المغرب وكم كانت متعة الصغار وهم يتسابقون في الحي يوصلون ما تكلفهم به النسوة من منزل الى اخر فلم يكن الابناء في خدمة اهاليهم فحسب بل في خدمة الحي كله كانت البيوت المتراصة تعين كثيرا على تفقد الجار وتذكيره بموعد السحور فمن لم يسمع (ابو طبيلة) ينادي للسحور فام الجيران كفيلة بان توقظه بنقر الحائط المشترك بين الدارين وترد عليها صاحبة الدار بنقر اخر يشعر بتسلم إرساله.. اليوم بعدت الشقة بين الجيران حتى اصبح كثير من الاحياء يجهل قاطنوها معرفة من يجاورهم لكن هذا لا يعني انعدام الخير تماما (فلو خليت خربت) حدثتني اخت تمتاز بالتقوى اعتز بها كثيرا انها قطنت حيا جديدا قبل دخول رمضان بايام قليلة وكانت ممن يعرف حق الجار ولما لم يبادر احد من الجيران بالاتصال بالجار الجديد وحرصا من اختنا على الا تحرم الجيران من نعمة التواصل التي امر بها الله ورسوله أخذت هي زمام المبادرة فارسلت لجيرانها بطاقة تهنئة بالشهر الفضيل تعرفهم بنفسها وتدلهم على عنوانها.
اخت اخرى اذكر لها انها كانت تحرص على استقبال اطفال الحي من ذوي الاحتياجات الخاصة في منزلها وتقوم بخدمتهم وتدريبهم وتدعيم قدراتهم واستنهاض مكنوناتهم لا لشيء الا طلبا لرضا الله واملا في دعوة صادقة بارة تلقى قبولا باذن الله تعالى.
ان امكانات التعاون بين الجيران اليوم ممكنة جدا ولا يمكن ان نستسلم لفكرة الانشغال والظروف الخاصة التي تعزل المرء عن جاره ورمضان باب واسع لتفقد الجار والعمل على تنمية العلاقة بما يفيد فمتى نهتم بغذاء العقل والروح كما نهتم بغذاء البدن فهلا نتذكر ان نرسل للجار كتابا قيما يغذي العقل مع الطبق الرمضاني الذي نتفاخر بصنعه؟
لقد انتشر بين الناس طبع كتيبات الادعية وبعض المحاضرات الدينية وارسالها للجيران وهي على قيمتها تحتاج الى توجيه والنظر فيما تكرر واعادة توزيعه لمن يحتاج اليه اننا بحاجة الى تعليم الناس كيف يحسنون التعامل مع هذه الكتيبات والاشرطة التي تتكدس عندهم وهناك من هم احوج اليها بعد ان يفرغوا منها ماذا لو تطوع بعض شباب الحي الخير وعملوا على تجميع هذه الاشرطة والكتيبات واعادة تصريفها التصريف الحسن انه مما يؤلم ان نشاهد مثل تلك الكتيبات مرمية في الحاويات لو قام المتطوعون بعمل نشرات توعية يدلون فيها الناس على كيفية التصرف بالفائض من هذه الاشرطة لحققوا خيرا كثيرا..