الدكتور صوفي أبو طالب رئيس مجلس الشعب المصري الأسبق رجل يجمع ما بين مسئوليته السابقة على البرلمان المصري وكونه مثقفا عميق الرؤية.. الدكتور أبو طالب الذي ترأس مصر مؤقتا عقب اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات وحتى الاستفتاء على تولي الرئيس الحالي حسني مبارك للسلطة.. تنفيذا للدستور المصري.
(اليوم) حاورته لتستمع لشهادته على الأحداث الهامة التى باتت تحيط بعالمنا العربي وتهدد مستقبله القريب والبعيد .. حيث أكد الدكتور "صوفي أبو طالب" أن العرب أمام صراع ما بين الهيمنة في حضارة الغرب وما بين شعوبهم في منطقتنا وأنه قد شاع اصطلاح الاستعمار للدلالة على قوى الهيمنة هذه واعتبر أن الحركة الصهيونية فصيلاً من فصائل الاستعمار الغربي.. وإلى نص الحوار:
صراع عربي صهيوني
@ بداية ما هى رؤيتك الفكرية للنظرية التى تحكم الصراع بيننا كعرب وبين أعدائنا من الصهاينة؟
- في رؤيتي الفكرية لهذا الصراع أقف بداية عند المصطلح المستخدم للدلالة عليه فقد أستخدم مصطلح الصراع العربي الإسرائيلي للتركيز على طرف إسرائيلي وآخر عربي وهناك من يؤثر استخدام مصطلح العربي - الصهيوني مفضلاً إبراز الجانب الصهيوني الذى يمثل دائرة تشمل في داخلها دائرة الإسرائيلي كما تشمل الصهيونية العالمية ويرى من المصطلح أيضاً أنه يبرز الجانب العقيدى للصراع الآن .. الصهيونية عقيدة عنصرية وأنا من الذين يؤثرون هذا المصطلح الثانى على الأول حتى يكون الحديث عن الصراع برؤية شاملة وليس عن الجانب الإسرائيلى الفلسطينى منه فقط.
@ إذن هو صراع شامل تتعدد أطرافه فكيف يمكننا تحديد أطراف هذا الصراع؟ - قام الفكر العربى الاسلامى ببلورة رؤية لهذا الصراع الناجم عن قضية فلسطين وحين استحضر خطوط هذه الرؤية وعصارات ما كتب فيها وأستطيع أن أقول أننا امام صراع بين قوى الهيمنة فىحضارة الغرب وبين الشعوب العربية والاسلامية فى الوطن العربى والاسلامى وقد شاع إصطلاح الاستعمار للدلالة على قوى الهيمنة هذه وقد إعتبر فكرنا الحركة الصهيونية فصيلاً من فصائل الاستعمار الغربى.
أطراف الصراع
@ إذا كان الأمر كذلك فأين موقع الولايات المتحدة على خريطة الصراع حيث تحاول وسائل الاعلام الغربية تصويرها على أنها طرف محايد و وسيط نزيه فى الصراع؟
- أعتقد أن الولايات المتحدة طرف أساسى فى الصراع والدليل على ذلك التحالف الاستراتيجى الامريكى الاسرائيلى الذى تم إبرامه فى مطلع الثمانينات والذى أكد بصراحة كاملة دور هذه القاعدة الاستعمارية اسرائيل فى محاولة التحكم فى المنطقة الاسلامى وكيف جاهر شارون بالحديث عن دوائر التحرك الاسرائيلى العسكرى وأنها تبدأ بفلسطين ثم بالدول العربية المجاورة ثم الدول العربية النفطية ثم فى الدول الاسلامية المحيطة من باكستان شرقاً حتى الاطلسى غرباً ومحاولة إخراجها واحدة واحدة من الصراع من خلال اتفاقات منفردة ثم جاءت محاولة تصوير الصراع على أنه مع الفلسطينيين فحسب وأنه إذا قبل الفلسطينيون حلاً ما ينهى الصراع فلا ينبغى لأحد أن يعترض وهذا ما نجحت فيه قوى الهيمنة وقد رأينا كيف استطاع ثنائى رابين وبيريز بعد إبرام هذا الاتفاق أن ينهوا بمساعدة الولايات المتحدة اعتراض غالبية الاسرة الدولية على الاحتلال الصهيونى لفلسطين ومما يذكر أن رابين خاطب قيادات يهود الولايات المتحدة بأنه قبل توقيع إتفاق أوسلو سيخرج المسلمون وغالبية العرب من الصراع ويحصره مع الفلسطينيين ، وهكذا يتضح بجلاء أن الطرف الأول فى الصراع يشمل قوى الهيمنة وجزء منها الحركة الصهيونية. وأن الطرف الآخر هو شعوب ديار الاسلام وفى القلب منها الأمة العربية وأتوقع أن يأتي يوم نصل فيه إلى مصطلح أشمل وأوضح يعبر عن الحقيقة الكلية للصراع.
أبعاد الصراع
@ هذا عن أطراف الصراع فماذا عن طبيعة الصراع وأبعاده حيث حجبت كثافة التحليل السياسى لقضية فلسطين كثيراً من الأبعاد الحضارية الشاملة للصراع؟
- إذا إنتقلنا إلى دوافع قوى الهيمنة ومنها الصهيونية فى هذا الصراع فإننا نجد أنه صراع له سماته الحضارية الشاملة قد عبر لصراع أصدق تعبير عن عدوان الحضارة العربية فى غزوها لمنطقتنا مستهدفاً حضارتنا العربية الاسلامية وإذا ما فصلنا فى هذه السمة الحضارة الشاملة للصراع نجد أنه يستهدف إغتصاب أرض فلسطين بمنطق إستعمارى عنصرى كما يستهدف السيطرة على ثروات الأمة ,ايضاً التحكم فى أمور المنطقة ليحول دون إنبعاث الأمة وقيامها برسالتها فى عالمنا.
توجه غامض
@ كيف تقيمون التداعيات الدولية القائمة خصوصا فيما يتعلق بالعلاقات الدولية؟
هل نحن نتجه نحو هيمنة أمريكية بالقوة أم أن الأمور ستتغير وسيقع الاحتكام إلى لغة العقل وإلى المبادرة السياسية المفقودة حالياً لحل مشكلات العالم؟
- لا بد من التأكيد أولاً ان الهيمنة الامريكية بدأت في واقع الامر بالتمثيل الدبلوماسي فالاتصالات التي تمت بين الولايات المتحدة ومختلف الدول دليل على ان ثمة نشاطاً دبلوماسياً مكثفاً سبق استخدام القوة ولقد لاحظنا كيف نسقت فرنسا والمانيا وبريطانيا مع الدبلوماسية الامريكية واجرت هذه الدول مفاوضات مع الولايات المتحدة.. فالعالم يعيش مرحلة جديدة لها سمات بارزة ومميزة عن الفترات التاريخية السابقة يستدعي ان يكون هناك تعاوناً دولياً والسؤال هنا.. هل سيكون هناك تعاون دول العالم وامريكا للتعامل المتغيرات الدولية القائمة وهو ما سوف يعيد السياسة الدولية إلى مفهوم التعددية القطبية ام ان واشنطن ستمضي في هيمنتها وستزداد قوتها بما سيسهم في تقوية التيار الانعزالي الفردي على الساحة الدولية الامر غير واضح الان ولا يمكن للمرء ان يجزم بهذا الرأي او ذاك لكن الامر المهم في تقديري هو ان الاحداث القائمة ستوثر على العلاقات بين الولايات المتحدة الامريكية والعالم العربي.
الارادة الدولية
@ وهل تتوقعون ان تلعب الدول الاخرى دوراً في التقليص من هذا التيار الانعزالي الذي تتحدثون عنه؟
- اذا كانت الدول ستحاول لعب دور على الصعيد الدولي وان تشارك الولايات المتحدة المنظمات الدولية في اتخاذ القرارات الكفيلة بتنظيم العولمة هنا سأكون متفائلاً إلى حد ما لاننا سنكون قد تعرفنا حينئذ على رأي هذه الدولة او تلك في القرارات الدولية وتكون الدول بالتالي قد اشتركت في صنع هذا القرار على الصعيد الدولي المشكلة تكمن في سؤال رئيسي هو هل ان الدول على استعداد للاهتمام بالسياسة الدولية ولعب دور على الصعيد العالمي ام انها ستختار خلاف ذلك واعتقد ان طرح هذه الاسئلة التي تفضلتم بها معناه ان ثمة ادراكاً للمتغيرات وان هذه المتغيرات تتطلب رد فعل من الدول لكن هل الدول تتمتع بالارادة السياسية اللازمة لذلك؟ لا بد هنا من التأكيد على ان الارادة السياسية غير مرتبطة بقوة الدولة وهناك مثال على ذلك فيوغوسلافيا من سبتمبر 1961 تاريخ اول مؤتمر لحركة عدم الانحياز إلى وفاة الزعيم تيتو عام 1981 كانت تلعب دور الدولة الكبرى لكن اين هي الان فنحن نلاحظ عملية سقوطها فالعبرة بالارادة السياسية ولتكن هذه الارادة لدى بعض الدول فحسب وليس جميعها بالضرورة عندئذ نكون اقتربنا قليلاً من التعددية على الصعيد الدولي مما اسميه بديمقراطية العلاقات الدولية والا فان القرارات ستتخذ من قبل دولة واحدة او مجموعة خبراء او من قبل بعض الشركات الدولية الكبرى.
@ إلى أي مدى يمكن لهذه الدول ان تتوافر على ارادة سياسية؟
- املي ان تتوافر هذه الارادة السياسية بل حتى على مستوى المنظمات الاقليمية نحاول كذلك ان ندافع عن هذه الارادة فعندما ندافع عن التعددية اللغوية وحوار الثقافات فنحن نهدف من وراء ذلك إلى الدفاع عن كيان الدولة لان الثقافة والحضارة يمثلان الحصن الوحيد المتبقي للدولة.. اذا كانت القرارات السياسية والخيارات الامنية والبترول والبيئة وطريقة النزول في المطار تتخذ كلها من قبل منظمة دولية فما الذي تبقي للدولة؟ اعتقد هناك الثقافة والحضارة والدين أي ما يعبر عن خصوصيتها ولا بد من العمل على تعزيز تلك الثقافة لان من خلال تعزيز هذه الثقافة قد نستطيع ان نحقق حداً ادنى من الديمقراطية على المستوى الدولي فلا بد من تنبيه الرأي العام الباحث عن الديمقراطية وحقوق الانسان ونقول له ما فائدة هذه المطالب اذا كانت هذه الديمقراطية غير متوافرة على مستوى القمة حيث سيفرض عليك نظام شمولي سواء في مستوى القرار السياسي او الاقتصادي او الاجتماعي فلا بد من التحرك مع الدول الاخرى والتحالف معها والدخول في نقاش حول هذا القرار او ذاك وحول السايسة الدولية ذاتها فالمنظمة الاممية قائمة على التعددية اللغوية ذاتها أي استخدام اكثر من لغة.
ضوابط مطلوبة
@ هل ترون ان الديمقراطية الدولية التي تدعون اليها يمكن ان تتكرس عبر منظمة الامم المتحدة وكيف يتم هذا؟
- اعتقد انه لا بد من تغيير كيفية تشكيل مجلس الامن الدولي إلى جانب فرض قيود على حق الفيتو وثالثاً لا بد من ان تكون هناك تمثيلية للهيئات والمنظمات غير الحكومية بحيث يكون ممثلاً للبرلمانات واخر للمدن الكبرى واذن بدلاً من ان يكون لدي ممثل عن دولة ما تكون هناك دولة ممثلة عبر خمس او ستة هيئات داخلية مختلفة وهو ما سوف يعكس التعددية على مستوى الدولة، وهذا ليس بالامر الجديد انظر مثلاً إلى منظمة العمل الدولية تجد لديها ممثلين عن العمال واصحاب العمل والحكومة وهذا امر موجود منذ عام 1919 تاريخ انشاء هذه المنظمة حتى قبل عصبة الامم فتغيير التمثيل في الجمعية العامة للامم المتحدة ليس امراً جديداً فالى جانب ممثل الدولة لا بد من وجود ممثل البرلمان ستقول لي ان اغلب البرلمانات لا تختلف عن مواقف حكوماتها اجيبك بان هذا الوضع صحيح بالنسبة لبعض رؤساء البرلمانات لكن الامر يختلف عن بقية الدول الاخرى قد تكون لرئيس البرلمان شخصية مغايرة بحيث يعبر عن موقف غير الموقف الرسمي للدولة. ممثل المنظمات غير الحكومية والجماعات المستقلة والتنظيمات الدينية الكبرى ممثل المدن الكبرى هذا الذي يسمى عمدة دولة كبرى مستعد للعب دور في الجمعية العامة وان يسمع صوته بشكل مختلف عن صوت ممثل وزارة خارجية بلده فهؤلاء حينئذ يمكن ان يكونوا ممثلين لنفس الدولة في مجلس الامن وهي طريقة تمكنني من الوصول إلى القاعدة الشعبية واجعل الرأي العام مشاركاً في القرار الدولي بهذا الشكل يمكن ان نؤسس ديمقراطية دولية وهو ما سوف يؤثر على الديمقراطيات المحلية اما اذا انتظرنا ان تصبح كل دولة ديمقراطية فلن تفعل شيئاً على الاطلاق ان الاختصاصات الدولية من نتائج العولمة وبالتالي فانها ستزداد عن اختصاصات الدولة سواء هذه الاختصاصات الدولية صورة منظمة دولية او دولة اتخذت واحدة او مافيا.. الخ فما دامت اختصاصات الدولة تتقلص فما قيمة الدفاع عن الديمقراطية الوطنية والحال ان نظام قمة الهرم غير ديمقراطي.